مقالات

“قصة دجوى بنها وحبيب الوائلي: الفارس الذي أسّس المجد وواجه المماليك!

"قصة دجوى بنها وحبيب الوائلي: الفارس الذي أسّس المجد وواجه المماليك!

قصة دجوى بنها وحبيب الوائلي: الفارس الذي أسّس المجد وواجه المماليك!
كتب عمرو دسوقى هريدي 
 
تحرص جريدة أخبار الشعوب دائمًا على تسليط الضوء على ملامح مصر العميقة، حيث القرى التي تحتضن التاريخ، والناس الذين يصنعون الحكايات. ومن قلب الريف المصري، نبحث عن الجذور، ونروي القصص المنسية التي شكّلت وجدان هذا الوطن. في هذا السياق، نفتح اليوم صفحات من سيرة فارسٍ عربي، وقريةٍ تحولت إلى معقل للعزة والمجد، إنها قرية دجوى، وحكايتها مع الشيخ حبيب بن أحمد الوائلي، الرجل الذي واجه المماليك، وأسّس إرثًا لا يزال حيًا في ذاكرة القليوبية.
 
 
تعد سيرة حبيب بن أحمد الوائلي السعدي الجذامي واحدة من القصص الملهمة التي تجسد قوة العزيمة والإرادة في تشكيل تاريخ قبائل العرب في مصر. وُلد حبيب في شُطب التابعة لمدينة أسيوط في منتصف القرن الحادي عشر الهجري، لتبدأ رحلة حياةٍ شاقة مليئة بالتحديات والمغامرات التي انتهت بتأسيس دجوى، أحد أهم معاقل العرب في القليوبية.
إن حياة حبيب تمثل قصة بطلٍ بدوي نشأ بين الترحال والجود، وأصبح رمزًا للفروسية والكرم والقيادة الحكيمة في عصره. فما هو سر هذا الرجل الذي ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ المنطقة؟
– نشأته ورحلته الأولى: البحث عن الحرية
وُلد حبيب بن أحمد في قرية شُطب الواقعة جنوب شرقي أسيوط في عام 1050 هجريًا (حوالي 1640 ميلاديًا). نشأ في بيئة بدوية تميزت بالحياة الصعبة التي يغلب عليها الرعي والبحث المستمر عن المياه والعشب. لم يكن لحبيب وأسرته طموح في الحياة الزراعية أو الفلاحية، بل كان شغفهم بالترحال والبحث عن مناطق جديدة للعيش.
وفي منتصف الثلاثينيات من عمره، قرر حبيب أن يسلك طريق الترحال مع أخيه شرارة، وهو ما كان سمة طبيعية لقبائل العرب الذين يفضلون حياة البدواة والتجوال على الاستقرار. ومع مرور الوقت، انتقل حبيب شمالًا، بحثًا عن حياة جديدة.
-الاستقرار في دجوى: تأسيس الوطن الجديد
بعد سنواتٍ من الترحال، استقر حبيب في دجوى، وهي إحدى القرى الواقعة بالقرب من فرع دمياط لنهر النيل. اختار حبيب هذا المكان بعناية فائقة لما يتمتع به من أرض خصبة وموقع استراتيجي يجعلها مثالية للزراعة والاستقرار. وقد عُرفت دجوى لاحقًا بـ “العيش الرغيد”، كما تعني كلمة “دجوى” في اللغة العربية، وذلك لما توفره من وفرة في المحاصيل الزراعية طوال العام.
هذه الأرض التي كانت غنية بالماء والموارد جعلت من دجوى نقطة جذب للعديد من القبائل العربية المجاورة. وسرعان ما أصبح حبيب صاحب النفوذ الأول في المنطقة، ليبدأ في بناء المجتمع الذي كان يحلم به بعيدًا عن قسوة الحياة التي عاشها في صغره.
– صفات حبيب: فارس مغوار وقائد حكيم
تميز حبيب بن أحمد بصفاتٍ فريدة جعلت منه شخصية محورية بين قبائل العرب. كان طويل القامة، قوي البنية، ذو سمرة مشربة بالحمرة، وكان يتمتع بقدرة فطرية على قراءة أفكار الناس من خلال ملامحهم. كان حبيب يملك ذكاءً حادًا وفطنة جعلته قائدًا محبوبًا وحكيمًا في اتخاذ القرارات.
كان حبيب معروفًا بكونه فارسًا مغوارًا لا يُهزم في المعارك، حيث كان يتفوق على منافسيه بمهاراته في الفروسية والقتال. وأصبح سالم بن حبيب، ابنه، يلقب بأنه يعادل ألف فارس في القوة والشجاعة، ليؤكد أنه ورث الفروسية والشجاعة عن والده.
إلى جانب شجاعته، كان حبيب معروفًا بـ كرمه وجوده، وكان يتفنن في تقديم الطعام والشراب للضيوف. ويُقال إنه كان يذبح المئات من الذبائح لضيوفه، ويشاركهم ثمرات الأرض والفاكهة في كل موسم.
– حادثة تدمير دجوى: الصراع مع المماليك
في عام 1094 هجريًا (1683 ميلاديًا)، تعرضت دجوى لحادثة مأساوية ألقت بظلالها على تاريخها. فقد هاجم جنود المماليك القرية، وقاموا بتدميرها بالكامل. أطلقوا النار على المباني، فمحت دجوى من على وجه الأرض، ليبقى حبيب وعائلته أمام مشهدٍ رهيب من التدمير.
كانت هذه الحادثة بمثابة نقطة تحول في حياة حبيب، حيث غرس في نفسه وقلوب أبنائه مشاعر الكراهية تجاه المماليك. بعد هذه الواقعة، أصبح حبيب وأسرته يتسمون بالشراسة في التعامل مع المماليك، وكانوا يتخذون مواقف صلبة ضدهم في صراعٍ دائم.
-القيادة: شيخ العرب
على الرغم من الصراعات والمحن التي مر بها، تمكن حبيب من الارتقاء إلى مكانة عالية بين قبائل القليوبية في مطلع القرن الثالث عشر الهجري، حيث أصبح شيخًا للعرب في تلك المنطقة. كانت كلمته نافذة، وكان يتمتع بتقديرٍ كبير من القبائل التي كانت تحترمه وتستشيره في قضاياهم.
كان له سطوة كبيرة في المنطقة، حيث لم يكن يُعقد أمر أو مجلس إلا بإشارته. وكان يتمتع بقدرة فائقة على حكم النزاعات بين القبائل بفضل حكمته وذكائه الذي جعله من الشخصيات القيادية البارزة في تلك الحقبة.
-الإرث والتأثير
حتى بعد مرور قرونٍ على رحيله، لا يزال حبيب بن أحمد الوائلي يُعد رمزًا للكرم والفروسية والعدالة. ارتبط اسم دجوى ارتباطًا وثيقًا باسم حبيب، حتى أصبح يُلقب بـ “حبيب الدجوى”، حيث ساهم في تأسيس القرية وتحويلها إلى مركز هام في تاريخ القليوبية.
كما أن العديد من أحفاده، مثل الشيخ يوسف الدجوي، قد شقوا طريقهم في التاريخ المصري، ليُثبتوا استمرارية تأثير عائلة حبيب في المنطقة، ويظل اسم حبيب بن أحمد الوائلي محفوظًا في ذاكرة الأجيال القادمة.
لقد ترك حبيب بن أحمد الوائلي بصمة واضحة في تاريخ القبائل العربية بمصر، وكانت حياته مثالًا للبسالة والقيادة الحكيمة. وبالرغم من الصعاب التي مر بها، تمكن من تحويل دجوى إلى إحدى أبرز القرى في القليوبية، ليكون بذلك من الشخصيات البارزة في تاريخ المنطقة.
"قصة دجوى بنها وحبيب الوائلي: الفارس الذي أسّس المجد وواجه المماليك!
“قصة دجوى بنها وحبيب الوائلي: الفارس الذي أسّس المجد وواجه المماليك!
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى