مقالات

فلسفة الشكر وواقعنا المعاصر

فلسفـة الشكـر

فلسفـة الشكـر وواقعنا المعاصر

كتب عمرو دسوقي هريدى
عزيزي القارىء , ان مقام الشكر لا يصله الا من عرفوا ربهم حق المعرفة و تيقنوا من ضعف النفس البشري و حيرتنا من دون معية الله و نعمه التي لا تعد ولا تحصی. ان ميزة الشكر هي التي توصف بها العباد الصالحين من بين المخلوقات حيث وصف الله تعالی فئة معينة وقليلة من المسلمين والمؤمنين بأنهم شاكرين حقيقيين لأنعم الله، في حين ان الشكر يزيد النعم و يدفع البلاء و يشفع لصاحبه يوم القيامة، كما يشكر صاحب هذه الخصلة الحميدة من أحسن اليه من عباد الله أيضا، اذ انه يوصف بصاحب العهد والوفاء وهو شخص وفي، كما أثنی الله علی الانبياء بهذه الخصلة كأبراهيم عليه السلام (شاكرا لأنعمه) وقد قال حبيبنا محمد صلی الله و سلامه عليه (افلا اكون عبدا شاكرا) عندما سألت أم المؤمنين عائشة انه يطيل القيام وقد غفر له.

قيل عن الشكر بأنه المجازاة علی الاحسان، والثناء الجميل علی من يقدم الخير والاحسان. ويعرف الشكر في اللغة بأنه عرفان النعمة واظهارها والثناء بها، قال الله عزوجل في سورة ابراهيم: لئن شكرتم لأزيدنكم. قال الشوكاني في تفسير هذه الاية ان من شكر الله علی رزقه وسعه عليه، ومن شكره علی توفيقه لطاعة زاده الله توفيقا لأداء الطاعات، ومن شكره علی صحته متعه الله بالصحة.

بغض النظر عن ان الشكر لله هو اعتقاد جازم في قلب المسلم ويرطب لسانه بذكر الله و شكره في آن معا، الا انه يشكر الله بجوارحه كذلك وبصدقاته وعاطاءاته السخية في أمواله والذي يعتبر الشكر العملي لله تعالی، كما يعتبر الالتزام بالاعمال الصالحات التي تكافيء فضل الله و نعمه، ويزيد المسلم من شكره بأداء سجود الشكر لله مرارا و تكرارا، فالمسلم ليس جاحدا بأنعم الله وفضله ولا احد منا يود ان يسمع اسم قارون بسبب جحوده لنعم الله و غرور ومصيره المشؤوم. أما المسلم يعرف بأنه ينعم بأنعم كثيرة لا تعد ولا تحصی (وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها) ولكن هناك أمور لم يقدره الله لنا كالجاه والمنصب أو المال الوفير والخ….لحكمة ما، لا نفهم احيانا الغرض من حرماننا منها وعلينا الشكر عليها فربما اذا امتحننا بها لا يضمن نجاحنا فيها أو لا نبقی علی الاستقامة. هكذا امر المؤمن و حاله في الدنيا بأن ينظر دائما في أمور الدنيا الی أدنی منه وفي أمور الاخرة الی أعلی منه، ومن ثم سينعم الانسان علی أثر هذا الفهم والاعتقاد والعمل القلبي بالقناعة والتوازن، ناهيك عن قصر الدنيا وقد وصف بسجن المؤمن و جنة الكافر لأن الحياة ما بعد الموت أطيب و أدوم للمؤمن. فهذه الدنيا مليئة بالاشواك والمحن والابتلاءات وكلها خير للمؤمن ان عرفنا مقاصدها و مبتغاها فعسی ان نکره‌ شيئا و وقد يجعل الله فيه خيرا كثيرا وليس هذه الدنيا الفانية الا مرحلة عابرة من حياة الانسان.

نعم فاقد النعم يقدر تلك النعم، فمن الآن وصاعدا لنتذكر ما عندنا وليس الذي ما عندنا، فكم من فاقد الأمان علی سبيل المثال يتمنی نوم ساعة بهدوء، وكم من فاقد البصر يود أن يصرف كل ما عنده من رأس ماله كي يرجع النور لعين واحدة ويری بها تلك الالوان الزاهية والطبيعة الخلابة في الوجود، اذن نحن اغنياء و عندنا الكثير، الدنيا ليست دار الجزاء والبقاء وكل انسان ينعم بنعم شتی و يفقد البعض و ‌هذه هي معنی الحياة في تكامل المجتمعات اذا اننا نحتاج الی بعضنا ونكتمل البعض؛ فلنغتنم النعم قبل فواتها و زوالها كما روي عن رسول الله صلی الله عليه وسلم عن عبدالله بن عباس بسند صحيح: اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك

فلسفة الشكر وواقعنا المعاصر
فلسفة الشكر وواقعنا المعاصر

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى