الموروثات الثقافية وقتل الزوجات

الموروثات الثقافية وقتل الزوجات
بقلم: الاعلامية د هاله فؤاد
إنتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة قتل الزوجات في مصر بطريقة ملفتة ، فكل أسبوع تقريبا بل ربما مرتين في الأسبوع
نقرأ على صفحات الجرائد ، قتلت الزوجة على يد زوجها إما خنقا أو طعنا أو رميا من البلكونة ، وعلى فكرة لمن يرد علي ويقول إنها حالات فردية ، لأ، لأنها في إزدياد ، ومن يقول إنها على مستوى العالم ، أقول له نعم ، ولكن في مجتمعنا لم تكن موجودة بهذه الطريقة ، وأنا يهمني وطني ومجتمعي وأهله.
فكان لزاما علي وعلي كل صاحب قلم ، بل وعلى كل صاحب ضمير ومسؤولية تناول هذا الموضوع بجدية ، ولا نضع رؤوسنا في الرمل كالنعام .
إن هذه الجرائم ليست وليدة اللحظة بل هي نتيجة تراكمات موروثات وتنشئة إجتماعية خاطئة.
قتل الزوجات ، جرائم تبررها الموروثات .
هناك أمثلة من الموروث الشعبي تعكس قيم إحتماعية تاريخية ، تكرس طاعة الزوج طاعة مطلقة ، وان إستقرار المرأة وكيانها مرتبط بوجود الزوج أولا ، ووجوب الصبر على المشاكل الزوجية حفاظا على البيت ، الحاجة لوجود الزوج كظل وسند شئ أساسي.
ومنها:
مطيعة زوجها هي خير النساء .
ضل راجل ولا ضل حيطة .
اللي تقول لجوزها ياسيد ، يقابلوها على السلالم في العيد.
الست ضلع أعوج والراجل يقومه.
حضن الراجل ستر.
الراجل مايتعابش.
جوزك هو تاج راسك.
الزوج عمود البيت ، والست تربط الحبال عليه ، يعني الزوج في مركز السلطة ، والزوجة مجرد عنصر دعم.
الست مالهاش كلمة في وجود الراجل .
الراجل سيد البيت .
الست مكانها بيتها.
هذه الأمثلة من الموروث الشعبي تكرس فكرة طاعة الزوجة لزوجها وهيمنة الزوج عليها ، وللأسف هذه الموروثات تشكل وجدان الرجل وقيمه وقناعاته مما يخلق قاتلا مخفيا في البيوت .
وهناك موروثات تبرر العنف ضد الزوجة مثل الضرب للتأديب ، وكأن الزوجة لم تتربى ، ومحتاجة تربية ، مع إن أي زوج لونظر لتربيتة هو وأخته سيجدها واحدة ، زوج أخته بيأدب أخته لأنها ماتربتش يبقى هو أيضا ماترباش ، فهمتوا وجه نظري .
أيضا مفهوم الشرف كسبب يغطي الجرائم ، وفعلا هذا ما حدث في الجرائم التي حدثت قريبا ، كل زوج يقتل زوجته يقول إنه شك في سلوكها ودي طبعا بوابته للبرأة ، فالمجتمع تربى على هذه القناعات بالرغم من أن جيران وأصدقاء الزوجات المغدورات يحلفون بطهارة وعفة وشرف الزوجات الائي تم قتلهن زورا وبهتانا .
إستخدام الرجولة كمبرر لتملك الزوجة ومعاقبتها :
العديد من الثقافات تنظر للمرأة وخاصة الزوجة على أنها ملكية خاصة للرجل ، هذا الاعتقاد يمنح الزوج شعورا بالسلطة المطلقة وحق التصرف في مصير الزوجة .
فإذا حاولت المرأة الحصول على حقوقها حتى حق الطلاق ومغادرة المنزل ، يعتبره الزوج تحديا لسلطتة مما قد يدفعه للقتل.
وهذا ماوجدناه في قضايا ذبح الفتيات اللاتي رفضن الارتباط ، فاعتبره القتلة أهانة وصلت للذبح بدون ذكر أسماء ، رحمة الله تعالى عليهن .
التنشئة الاجتماعية : كيف تربي التنشئة الاجتماعية قاتلا؟
إن جرائم قتل الزوجات هي صدى لتنشئة إجتماعية خاطئة.
التنشئة الاجتماعية هي المعايير والقيم والمعتقدات والقواعد والضوابط السلوكية التي تحكم المجتمع ، وهي التي تشكل شخصية الفرد وميوله وإتجاهاتة ومعتقداته وسلوكه .
فالتنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ الصغر ، خاصة داخل الأسرة والمجتمع تؤثر على بناء شخصيته وسلوكه تجاه العنف ، بما في ذلك عنف الأزواج ضد زوجاتهم .
تتم هذه التنشئة عبر مؤسسات الأسرة ، المدرسة ، الاعلام ، الأصدقاء ، موااقع التواصل الاجتماعي ،الدين .
الأسرة :
الأسرة هي النواة الأولى في بناء المجتمع ، لهذا إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع.
التنشئة الاجتماعية الخاطئة التي تميز بين الذكور والاناث وترسخ ثقافة تأديب المرأة، حينما تعلم لأسرة الاولاد الذكور أن لهم السيطرة على أخواتهم البنات حتى لو كن أكبر وأعقل واذكى منهم لأنهم هم الرجال فهي ترسخ العنف ضد المرأة ،وحينما تعلم البنات أن الطاعة فضيلة ، فهى ترسخ لخضوعهن وذلهن .
فمن يعلم الطفل السيطرة ، يحصد رجلا يمارس العنف في حياته . حينما يربى الأولاد على هذه الرسائل :
مراتك لازم تسمع كلامك ، الغيرة دليل الحب ، والسيطرة حماية ، حينما تكرر هذه الرسائل في الأسرة ، الاعلام ، ومن رجال الدين ، ومن الأصدقاء ،وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وفي المدرسة ، ستخلق رجلا مفوض إجتماعيا للسيطرة على المرأة وأنه يملك جسدها وحياتها ونفسها وروحها .
والرسائل التي توجه للبنات :
إستحملي ، بيتك أهم ، كلمة جوزك فوق كل شئ ، هدي صوتك : عيب ، تخرج للمجتمع متقبلة العنف على أنه قدر محتوم ومقسوم.
التنشئة الاجتماعية الخاطئة ترسخ في وعي نسبة كبيرة جدا من الذكور أن السيطرة حق ، وأن العنف في معاملة المرأة مسموح ، وان المرأة دائما في موقف المطيع الخانع .
الاعلام وترسيخ العنف ضد المرأة والذي يعتبر الشرارة لقتل الزوجات :
يساهم الاعلام في ترسيخ العنف ضد المرأة من خلال المشاهد التي يكثر فيها ضرب المرأة واعتباره شئ عادي وحق للرجل
فمثلا مشهد في الشارع لرجل يضرب إمرأة تجد الكل يجري عليه ، إيه ياعم مش تخلي عندك نخوة ، إزاي تضرب ست ، ولما يقول لهم دي مراتي وبأدبها ، يتركوه ، خلاص ياعم دي مراته ومن حقه يأدبها .
تقديم صورة للمرأة على أنها ضعيفة ، تابعة ، وأنها مسؤولة عن العنف الذي تتعرض له ، كأن يشار إلى ملابسها أو سلوكها كمبرر للاعتداء .
القاء اللوم هذا على الضحية خطاب خطير يخلق بيئة تبرر الاعتداء . تعزيز التبريرات المجتمعية لجرائم العنف ضد النساء مثل جرائم الشرف ، وهذا يجعل أي زوج قاتل لزوجته ، يطلع يقول إنه شك في سلوكها ، وطبعا كده المجتمع حكم ، دي تستاهل ويطلع القاتل برئ ، بالرغم من أن الزوجة المغدورة بريئة من هذه التهمة ، ويتم إثبات ذلك بالفعل ، لكن لا عزاء للنساء .
ناهيكم عن السوشيال ميديا التي تكرس لبث العنف والكراهية ضد النساء ، فكم البوستات التي تكرس النظرة الدونية للمراة وأنها أصل كل شر ، ولازم تتحكم بالحديد والنار ، حدث ولا خرج .
الخطاب الديني والعنف ضد المرأة :
تلاحظون أني قلت الخطاب الديني ولم أقل الدين ، لأن جميع الأديان السماوية جوهرها المساواة والخير والحق والعدالة ، ولكن بعض الشيوخ ينتزعون الكلام من سياقه ليوافق أهواءهم بالسيطرة والعنف ضد المرأة.
بل ويلبسون العادات والتقاليد والأعراف الخاطئة لباس الدين لشرعنتها .
فهم يكرسون الفهم الخاطئ مثلا : واضربوهن بمعنى الضرب الحقيقي ويرفضون تفسير أنه ترك المنزل حتى تهدأ الأمور ، وهذا التفسير تماشيا مع معنى الضرب المختلف في عدة آيات مثل: ضرب الله مثلا ،و يضربون في الأرض ،وغيرها من المعاني .
كما يستندون إلى أحاديث ضعيفة وموضوعة لترسيخ وجوب تأديب المراة ، وضربها ، ووجوب طاعتها المطلقة للزوج ، بل وملكية الزوج المطلقة للمراة جسدا وروحا ونفسا وعقلا ، فهي مخلوق ناقص ، هذا عندهم ، عند أفقهم المحدود ، وجهلهم المدقع ، ورؤيتهم المختلة والمتخلفة ، والتي توجب العقاب القانوني .
من هذه الأحاديث الموضوعة والتي تكرس للعنف ضد المرأة، وإمتهان كرامتهاوإذلالها، وتكريس الطاعة المطلقة للزوج :
من أطاعت زوجها دخلت الجنة ، ومن عصته دخلت النار
أيما إمرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها لعنتها الملائكة .
وبمناسبة لعن الملائكة للمراة ، فهناك حديث موضوع ايضا تقوم الملائكة بلعن المراة فيه ، لكن الصراحة هما الشيوخ مش عارفين مين الملائكة دول هل من يكتبون الذنوب على الكتف الشمال ، ام ( الله تعالى ) يخلق ملائكة مختصون لذلك ، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم .
إذا دعا رجل إمرأته إلى فراشه فأبت ، فبات غضبان عليها ، لعنتها الملائكة حتى تصبح.
وان ماتت قبل أن يجئ الصبح ، الملائكة تعمل إيه ، هل ستكف عن اللعن ، ام تستمر حتى الصباح ؟
ويل للمرأة التي ترفع صوتها على زوجها : ليه الحاكم بأمر الله !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!.
هذه الأحاديث وضعت لان بعض المجتمعات القديمة كانت ترى المرأة كائنا ناقصا أو تابعا فأخترعوا نصوص تكرس لهذه النظرة .
الصراع الاجتماعي والسياسي ، جعل بعض الأشخاص يخترعون أحاديث تخدم مصالحهم .
كيف نتصدى لظاهرة قتل الزوجات :
يقع ذلك على مؤسسات مختلفة مثل الأسرة ، الاعلام ، المدرسة ، الخطاب الديني ، القوانين والتشريعات .
ينبغي على الأسرة معاملة الولد كالبنت دون تفرقة ، فاختلاف الجنس لايقلل من شأن المرأة ، فهي مخلوق كامل الأهلية ولها كل الحقوق كالرجل تماما .
تغيير أنماط التربية التي ترسخ للمجتمع الذكوري .
الاعلام :
العمل على تفكيك الصور النمطية الخاطئة وتصحيحها ، ونشر ثقافة المساواة والعدالة بين الجنسين .
تقديم تقارير إخبا ية مسؤولة ومحايدة تتناول قضية العنف ضد المراة بجدية بعيدا عن الاثارة والسطحية .
زيادة مشاركة المراة في صنع القرار داخل المؤسسات الاعلامية ، إطلاق حملات توعوية بالتعاون مع المؤسسات النسوية والحقوقية .
تسليط الضوء على قصور التشريعات والقوانين ، المطالبة باصلاحات قانونية ومجتمعية لحماية المرأة.
تجديد الخطاب الديني :
يجب على المؤسسات الدينية التعامل بجدية وردع لأي شيخ يكرس للعنف ضد المراة بالاحاديث و المرويات الموضوعة التي تتنافى مع روح الأديان السماوية التي تأمر بالعدل والمساواة والرحمة والمودة.
والبعد عن التفسيرات الفقهية القديمة التي جاءت في سياقات تاريخية لم تعد سارية ولم تعد مقبولة في عصرنا الحديث ، وتبني تفسير تجديدي يدعم كرامة المرأة ورفض العنف بشكل مطلق.
دور القانون في التصدي للعنف ضد المراة وقتل الزوجات :
إلغاء النصوص التميزية التي تسمح للمعتدي بالافلات من العقاب مثل :
نصوص جرائم الشرف ، أو المواد التي تمنح مرتكب جريمة الاغتصاب العفو إذا تزوج الضحية .
تشديد العقوبات :
يلزم القانون بتشديد العقوبات حال إرتكاب الجريمة ضد المراة بسبب جنسها، او في أطار علاقة أسرية مثل الزوج .
ويضمن الردع العام والخاص .
وجود نص قانوني واضح يجعل المجتمع يدرك أن مثل هذه الأفعال : التحرش والاعتداء الجنسي، الحرمان من الحقوق الاساسية الجرائم المرتكبة بدعوى الشرف ،التنمر والابتزاز الالكتروتي ، ليست عادية ، بل جرائم تهدد الأمن والسلام الاجتماعي.
تسهيل تقديم الشكاوى دون خوف من الانتقام او الوصمة ، وسرية المعلومات لحماية النساء من الضغط الاسري والاجتماعي.
يجب ان ينص القانون على أن الزوج يسجن لأنه عنف زوجته ، وتشديد العقوبة على ضرب الزوجة سجن مشدد وغرامة كبيرة تجعل من تسول له نفسه مد يده على زوجته ، يراجع نفسه كثيرا قبل ان يقدم على هذا الفعل المشين الدنئ
الذي لايصدر الاعن انسان غير محترم ، وفاقد الأخلاق والتريية .
جرائم الشرف تعامل كقتل عمد ، وبذلك نسقط سلطة الموروث الذي يسمح بتبرير الجريمة .
قوانين تعزز المساواة وعدم التمييز :
في العمل ، في التعليم ،في السياسة ، في اتخاذ القرارات الخاصة بحياتها.
وأخيرا يجب تضافر كل من الأسرة والمدرسة والاعلام والخطاب الديني في تغيير الوعي المجتمعي ، بتغيير النظرة الدونية للمراة ، ورفع مستوى الوعي بحقوق المراة.
نداء :
إلى كل رجل عنده ضمير ، المراة هي والدتك ، أختك ،إبنتك، زوجتك ، فما لاترضاه لوالدتك وابنتك واختك ،لا ترضاه لزوجتك .
اتقوا الله ، اتقوا الله ، اتقوا الله.





