مقالات

المرأة التي تُطفئ رجلها دون أن تدري

المرأة التي تُطفئ رجلها دون أن تدري

محمد لطيفي Mohamed LETIFI

هناك رجال لا ينطفئون لأنهم تغيّروا، بل لأن امرأة في حياتهم ظنّت أن الحب الذي في قلبه وقوده لا ينفد. رجلٌ يدخل بيته مُثقلًا بيومٍ طويل، يبحث عن كلمة تُشبه حضنًا، عن نظرة تزيل عنه غبار التعب، عن صوتٍ يشعره أنه لم يعد في معركة. لكنه يجد امرأة تظنّ أن صمته تجاهل، وأن تعبه تهرّب، وأن انشغاله نقص في الحب. ومع الأيام، تبدأ النار التي اشتعل بها قلبه يومًا بالانطفاء، لا لأنها ماتت، بل لأن أحدًا لم ينفخ فيها قليلًا من الحنان.

الرجل لا ينطفئ دفعة واحدة. إنه ينطفئ على مراحل: مرحلة يرفع فيها صوته دفاعًا عن نفسه، ومرحلة يسكت فيها لأنه تعب من الشرح، ومرحلة أخيرة ينسحب فيها بصمتٍ يشبه موتًا خفيفًا لا يشعر به أحد. ولا شيء يطفئ الرجل أسرع من امرأة لا ترى ما وراء ملامحه. امرأة لا تلاحظ أن غضبه ليس غضبًا بل جرح، وأن انغلاقه ليس بُعدًا بل خوف من المزيد من العتاب، وأن خطواته الثقيلة ليست هروبًا بل بحثًا عن مكان لا يُحاسَب فيه على كل زلّة.

الرجل يُطفئه سؤال يُكرَّر عشرات المرات: “لماذا تغيّرت؟” يُطفئه صوتٌ مرتفع كان بالإمكان أن يُقال برقة. تُطفئه مقارنة مؤلمة مع رجل آخر. تُطفئه امرأة تُعامله كأنه آلة يجب أن تمنح دون أن تتعب. تُطفئه حين تُشعره أنه زائد، أنه غير مهم، أنه لو غاب فلن يفتقده أحد. كل هذه التفاصيل الصغيرة التي تراها المرأة “عابرة” هي في الحقيقة ثقوب دقيقة في قلب الرجل، تتساقط منها حرارة الحب شيئًا فشيئًا حتى يصبح الرجل كشمعة أُهدرت في ضوء النهار، بلا حاجة، بلا تقدير.

والمؤلم حقًا أن أغلب النساء لا يطفئن رجالهن عمدًا، بل بسبب ظنّ خطير: “هو رجل… يستطيع الاحتمال”. بينما الحقيقة أن الرجل — مهما بدا قويًا — هشّ من الداخل بطريقة لا يتوقعها أحد. إنه يحمل همومه على كتفيه ويخفي دموعه خلف صمته، ويبتلع جروحه كي لا يُقال عنه ضعيف. لكنه إن لم يجد امرأة ترى عمقه، لن يجد نفسه معها طويلًا. الرجل لا يحتاج إلى امرأة مثالية، بل إلى امرأة تفهم إشاراته قبل أن تنطفئ، وتسمع صمته قبل أن يتحوّل إلى جدار، وتربّت على روحه قبل أن يبحث عن الدفء خارج حدود البيت.

كل رجلٍ يحمل في داخله طفلًا صغيرًا يريد أن يشعر بأنه مُحبّب. يريد كلمة تقدير، لمسة احترام، نظرة إعجاب كالنظرة التي رأى فيها نفسه أول مرة في عينَي من يحب. فإذا غابت هذه الأشياء، غابت معها رجولته الشعورية، لا الجسدية. تصبح خطواته نحو بيته أقل، ووجوده رغم حضوره أقل، ويصير قلبه كمدينة أُطفئت أنوارها بالتدريج حتى لم يعد في شوارعها ضوء.

لكن أجمل ما في الرجال أنهم يعودون بسرعة حين يشعرون أن امرأة ما زالت تراهم. يعودون حين تُعيد المرأة ترتيب نبرة صوتها، حين تُبدّل طريقة حوارها، حين تُخفّف حدّة ردودها، حين تستعيد رقتها التي كانت تُذيب فيها غضبه. يعودون حين يشعرون أن المرأة فهمت خطأها دون أن يطلب منها أحد ذلك. يعودون حين يجدون بابًا مفتوحًا لا عتاب فيه ولا محاسبة، فقط دفءٌ يقول: “أعرف أنك تعبت… عد كما أنت.”

الرجل لا يطلب الكثير، رغم أن الدنيا تُثقله. يكفيه أن يشعر بأنه مُقدّر. يكفيه أن يرى أن المرأة التي بجانبه ليست خصمًا، بل سندًا. يكفيه أن يجد في بيته مكانًا يضع فيه قلبه دون خوف. وإن وجد هذا، فإن كل ما انطفأ فيه سيشتعل من جديد، وربما أقوى مما كان.

والمرأة التي تُدرك هذا السرّ لا تخسر رجلًا أبدًا…
لأنها تعرف أن الرجل لا يذبل إلا حين لا يُسقى،
ولا يبتعد إلا حين لا يُحتوى،
ولا ينطفئ إلا حين لا يجد من يرى نوره قبل أن يخبو.

هذه المرأة وحدها هي التي تُبقي رجلها مضيئًا…
وهذه هي المرأة التي لا يُطفئها الزمن في عين رجلها، مهما تغيّرت الدنيا.

محمد لطيفي Mohamed LETIFI
محمد لطيفي Mohamed LETIFI

نهى عراقي

نهى عراقي ليسانس أداب.. كاتبة وشاعرة وقصصية وكاتبة محتوى.. وأبلودر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى