زهران ممداني.. من هامش الهوية إلى قلب القرار

زهران ممداني.. من هامش الهوية إلى قلب القرار
محمد لطيفي
حين تصنع الإرادة الإلهية من الهامش مركزًا، ويصبح المسلم العربي واليًا على نيويورك
في عالمٍ تتقاطع فيه الصراعات العرقية والدينية مع سرديات الحرية والمساواة، يبرز اسم زهران ممداني كأيقونةٍ جديدةٍ في التاريخ السياسي الأمريكي المعاصر، بعدما أصبح أول مسلمٍ عربي يتولى منصب والي (رئيس بلدية) نيويورك، المدينة التي تمثل قلب التعددية في العالم الحديث ورمز التحولات الكبرى في الوعي الإنساني.
> “من مقعدٍ مرفوض في مقهى، إلى مقعد القرار في نيويورك… هذه ليست قصة حظ، بل درسٌ في العدل الإلهي وإصرار الإنسان.”
منذ نصف قرنٍ فقط، كان أبٌ أسود البشرة في الولايات المتحدة يُمنع من دخول المقاهي التي يرتادها البيض، وكانت العنصرية تقسم الناس كما تُقسم الحدود بين الدول. وفي ذلك الزمن القاسي، لم يكن أحد يتخيل أن رجلاً أسود اللون سيصل يومًا إلى رئاسة الولايات المتحدة. لكن التاريخ كتب اسمه في عام 2008 حين أدى باراك أوباما القسم رئيسًا، لتتحول تلك اللحظة إلى شهادةٍ على أن إرادة الله تتجاوز أعراف البشر، وأن الألوان لا تقرر المصير.
واليوم، تتكرر المعجزة بصورةٍ جديدة. فبعد مسيرةٍ طويلة من الكفاح والمشاركة المجتمعية، يصعد زهران ممداني إلى قيادة واحدة من أعقد المدن وأكثرها تنوعًا في العالم. لم يكن الطريق أمامه مفروشًا بالورود؛ بل هو نتاج سنوات من العمل، والمثابرة، والإيمان بأن المواطنة ليست مسألة عرقٍ أو دين، بل التزام بخدمة الناس والمساهمة في صناعة المستقبل.
تجربة ممداني لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق الأوسع لتاريخ العنصرية في الغرب. ففرنسا، التي ما زالت تصارع خطاب الإقصاء باسم العلمانية، وأمريكا التي تُجاهد لتضميد جراحها القديمة، تشهدان اليوم على تحوّل رمزي عميق مفاده أن الإنسانية قادرة على تجاوز حدود اللون والانتماء. وبينما تتعثر بعض المجتمعات في خوفها من الآخر، يفتح هذا الحدث الباب أمام جيلٍ جديد من القيادات التي تمثل التنوع لا باعتباره شعارًا، بل حقيقةً اجتماعية وسياسية.
إن صعود زهران ممداني إلى هذا الموقع ليس مجرد انتصارٍ فردي، بل انتصارٌ لفكرة العدالة نفسها، ولحلم المساواة الذي لم يمت رغم تعثره. إنه تذكيرٌ بأن التاريخ لا يصنعه الأقوياء وحدهم، بل يصنعه أولئك الذين آمنوا بأن اختلافهم ليس نقمة، بل نعمةٌ تُعيد للإنسان معناه.
وهكذا، من قلب المعاناة، يولد الأمل مرةً أخرى. ومن بين رماد التهميش، تخرج قصةٌ تقول للأجيال القادمة: لا تُصغِ إلى ضجيج اللون والدين، فالله وحده هو من يرفع من يشاء، متى شاء، وكيف شاء.




