الصحافة بين حرية الكلمة وفضيحة التشهير: هل بقيت الرحمة في مهنة الإعلام؟

الصحافة بين حرية الكلمة وفضيحة التشهير: هل بقيت الرحمة في مهنة الإعلام؟
بقلم الإعلامية : نرجس قدا
في زمن تكاثرت فيه وسائل الإعلام وفتحت أبوابها للجميع، بات لزامًا علينا التمييز بين صحافة مسؤولة وأخرى تدنس مهنة الإعلام باسم التشهير. الصحافة الحرة الحقيقية هي حجر أساس لأي مجتمع ديمقراطي، تقوم على نقل الحقيقة بدقة ومهنية، وتراعي كرامة الإنسان وحقه في الخصوصية. أما صحافة التشهير، فهي ظاهرة مقيتة هدفها الوحيد الشهرة السريعة على حساب سمعة الأبرياء، وتنشر الأكاذيب والاتهامات دون تمحيص، متجاهلة القوانين وأخلاقيات المهنة.
ما نشهده اليوم في بعض المنابر، ومنها ما يظهر باسم “صحافة شوف تيفي”، هو تجاوز صارخ لخطوط المهنية، حيث تتحول الكاميرا إلى أداة لإذلال الناس والتشهير بخصوصياتهم، تحت ذريعة الصحافة. هذا السلوك لا يمس فحسب الفرد المعني، بل يُساءل مصداقية الإعلام ككل ويزرع الشك في نفوس الجمهور تجاه كل ما يُنشر. عندما تصبح الصحافة ساحة للنميمة والابتزاز، نكون قد فقدنا جوهر الرسالة الإعلامية وأخلاقياتها.
الصحافة الحرة ليست ترفاً، بل مسؤولية إنسانية وأخلاقية تحتم على الصحفيين قبل نشر أي معلومة التحقق والعدل والرحمة. رحمة ليست ضعفاً، بل تعبير عن احترام الإنسان وحقوقه، فالحقيقة لا تحتاج إلى فضح جارح ولا إلى تهجم بلا حاجة. الهجوم بجرأة والصراحة مع الاحترام هما طريق الصحافة النبيلة التي تحمي المجتمع وتخدمه.
واجب الصحافي الحقيقي وقبل كل شيء هو أن يكون حارسًا للكرامة، لا مهرّبًا للألم والفضائح الباطلة، خاصة حين يتعلق الأمر بأفراد قد لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم. إن ممارسة التشهير تحت مسمى الحرية الإعلامية، لم تعد مقبولة ولا مبررة بأي حال، ويجب على المؤسسات القانونية والأخلاقية وبعض العاملين في الوسط الإعلامي أن يضعوا حداً لهذه الظاهرة قبل أن تتحول إلى كارثة اجتماعية وأخلاقية.
في النهاية، لا بد من وقفة جادة مع هذه الممارسات التي تسيء للصحافة وتخون رسالتها في وقت حرج تحتاج فيه المجتمعات إلى إعلام نزيه ومسؤول، يراعي الحقيقة والرحمة معًا. فهل لا يزال ممكنًا إصلاح الصحافة في زمن التشهير، أم أن الصفحات السوداء ستظل تحجب نور الحقيقة؟
