مقالات

التفرقة الاجتماعية :طوق يخنق أحلام الفقراء

التفرقة الاجتماعية :طوق يخنق أحلام الفقراء

بقلم: الاعلامية/ د. هاله فؤاد
إن التفرقة الاجتماعية أكبر آفة تدمر المجتمع ، فهي تكريس للظلم بأبشع صوره ، فالظلم ظلمات .
الظلم جرح يدمي القلوب ، فلماذا التفرقة نحن جميعا خلق الله تعالى ،سبحانه لم يفرق بين خلقه .
الظلم الناتج عن التفرقة الاجتماعية يصيب الفرد بالقلق والاكتئاب ، ويدمر الثقة بين أفراد المجتمع ، الغضب والكراهية التي تؤثر على علاقاته الشخصية .
اما على الصعيد المجتمعي فيؤدي إلى إنعدتم التماسك ، وفقد الأفراد إحساسهم بالانتماء للمجتمع مما قد يؤدي إلى إنتشار العنف والتطرف .
إعاقة التنمية المستدامة ، لايمكن تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة في مجتمع تغيب عنه العدالة الاجتماعية .
يشير التفاوت الاجتماعي إلى التوزيع غير المتكافئ للموارد والفرص بين الأفراد والجماعات في المجتمع .
ويظهر ذلك بوضوح في اشكال مختلفة منها التفاوت بين الجنسين :
ويظهر ذلك في إقصاء النساء وحرمانهن من بعض حقوقهن في الحريات الأساسية في مختلف نواحي حياتهن .
التفاوت الاقتصادي :
هناك أختلافات كبيرة في الدخل والثروة والأصول بين الأفراد والجماعات .
في الواقع مادفعني لكتابة هذا المقال ، بوست لكاتبة قالت فيه :
ابن الزبال احسن له يبقى زبال .
هذه الكلمات جعلتني أرجع بذاكرتي لزمن الاقطاع وقت الملك فاروق ومن قبله ، فهل عدنا إلى زمن الوسية .
هل عدنا إلى هذا الزمن الذي تجسدت فيه التفرقة الاجتماعية بأبشع صورها .
فالمجتمع في عهد الملك فاروق كان طبقتين :
طبقة الاقطاعيين وكبار الملاك :
الذين يمتلكون مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ، مجتمع ال ٢% من المجتمع ، لكنها تملك أكثر من نصف الأرض الزراعية
تسيطر على الحكومة ، والاقتصاد ، والبرلمان.
الطبقة الفقيرة : عمال وفلاحين :
ملايين يعملون بالسخرة في أراضي الاقطاعيين ، يعانون من الفقر والجهل والمرض ، فلا تعليم ، لاتأمين ، لا رعاية صحية .
التعليم كان شبه محصور على أبناء الطبقات الغنية .
راي بعض الكتاب والمفكرين في هذه الفترة :
أحمد لطفي السيد :
ما من تقدم لمصر مادام نصفها يملك الأرض ، ونصفها الآخر يعمل فيها بلاحقوق.
الاقتصادي جلال أمين :
وصف فترة الملك فاروق بأنها :
لحظة إنفجار إجتماعي مؤجل ، تراكمت فيها الثروات والظلم حتى لم يعد المجتمع قادرا على التنفس .
ثم حدثت ثورة يوليو بقيادة أمير الفقراء الزعيم الخالد / جمال عبدالناصر .
والذي وصف حكم الملكية :
كنا عبيدا في أرضنا ، نحمل المحصول على أكتافنا ونقدمه للسيد .
ولذلك كان من أوائل قرارات الثورة ، يوم ٩ سبتمبر عام ١٩٥٢ م هو قانون الاصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين .
وكان هدف ذلك هو تخفيف حدة التفرقة الاجتماعية وتقويض القوة الاقتصادية والسياسية لطبقة الاقطاع لخلق مجتمع أكثر عدالة .
كانت أهم مبادئ ثورة يوليو وحلم ناصر :
العدالة الاجتماعية ، وتقليص الفوارق بين الطبقات ، مجانية التعليم ، شعور واسع بالأمان الاجتماعي والانتماء.
فأصبح الفقير يشعر بالعزة والكرامة .
فقد كان الهدف الأول للزعيم الخالد / جمال عبد الناصر هو رفع مستوى معيشة الجماهير .
في حقبة الستينات ، ذابت الفوارق بين الطبقات ابن المدير وابن الوزير وابن العامل وابن الفلاح على دكة واحدة في المدرسة .
يدخلون بعد ذلك الجامعات بالمجان لافرق بين طالب وآخر الا بمجهوده وإجتهاده.
الجميع عنده مراوح ، بوتجاز ، من انتاج المصانع الحربية .
هناك مقولات لكثير من الرؤساء والمفكرين والفلاسفة عن التفرقة الاجتماعية وأثرها على المجتمعات ، واهتمامهم بالعدالة الاجتماعية منهم :
جون كينيدي : رئيس أمريكا سابقا :
المحتمع الذي لايعطي للفقراء أكثر مما لديه ، سوف يأخذ منه الأغنياء أكثر مما يستحقون .
المفكر سلامة موسى :
اعتبر أن المساواة الاجتماعية شرط لتقدم الدولة الحديثة .
كارل ماركس :
إعتبر أن التفرقة الاجتماعية ( الطبقية ) ناتجة أساسا عن ملكية وسائل الانتاج .
العدالة لايمكن ان تتحقق إلا بالقضاء على النظام الرأسمالي الذي يستغل الطبقة العاملة ويكرس التفاوت.
وأيضا الأمم المتحدة :
تعتبر العدالة الاجتماعية ركيزة أساسية للتنمية المستدامة .
مرحلة الانفتاح الاقتصادي في عهد الرئيس السادات ومابعد الانفتاح في السبعينات والثمانينات :
جاءت مرحلة الانفتاح الاقتصادي والتي غيرت المجتمع وظهرت طبقات جديدة تهدد الطبقة المتوسطة التي هي ميزان الرمانة لأي مجتمع.
ولعل من أبرز الأفلام السينمائية التي أبرزت التغير المجتمعي في هذه الفترة هوفيلم :
انتبهوا أيها السادة .
الانفتاح الاقتصادي أدى إلى تغيرات مجتمعية حادة . ضعفت الطبقة المتوسطة ، وظهرت ثقافة الاستهلاك والاستعراض ، وظهور طبقة رأسمالية جديدة ثرية بشكل سريع غير متوازن ، ثقافة البيزنس .
هذا أدى إلى عودة الفجوات الاقتصادية بشكل واضح .
المفكر / جلال أمين : وصف هذه المرحلة بأنها بداية التدهور الاجتماعي الحقيقي بسبب سيادة المال على القيم .
الصحفي / أحمد بهاء الدين : كان من أشد الناقدين لسياسة الانفتاح ، له تعبير مشهور ( السداح مداح ) ، وكان يقصد به إنفتاح بلا ضوابط أدى إلى :
نمو طبقة الأغنياء المتطفلين ، تهريب الأموال ، إستيراد سلع إستهلاكية لاضرورة لها ، إنتشار المضاربات و السمسرة .
أما المفكر الاجتماعي / سيد ياسين فركز على الآثار السلوكية :
الفردية إرتفعت والشعور بالطبقية إزداد ، والعلاقات أصبحت قائمة على المصلحة .
أما الآن فالفجوة والطبقة أكتر ، طبقة تقول لك يلانكسر كام مليون ، يلا نكسر كام مليون على راي الفنان عادل أمام في أغنية له في إحدى أفلامه.
وطبقة بتقضي عشاها نوم .
مناطق سكنية مغلقة ، كومبوندات ممنوع الدخول . الطبقة الوسطى تآكلت، جامعات خاصة حتى بداخل الجامعات الحكومية ، وهنا تظهر الطبقية على أصولها ، في الملبس والمأكل وغيرها من مظاهر الثراء ، وطبقة أخرى من الطلاب يادوب .
وهناك ثراء السوشيال ميديا ونجومه الذين لم يتلقوا علما، ويحصلون على الثراء والشهرة ، هذه رسالة سلبية للشباب .
لماذا أجتهد وفي النهاية كم سأكسب ، وهناك غيري لم يتلقى علما ولا اجتهد ولاتعب ،ويحصل بسهولة على الشهرة والثراء .
ناهيك عن الأخلاقيات القميئة التي تبثها مثل هذه المواقع ، التي تنشر الألفاظ البذيئة ومظاهر العنف والفوضى .
وتظهر مظاهر الطبقية جلية في إستغلال الأفراد مناصبهم او حتى شهرتهم ، حتى لو كانت زائفة بلا علم ولافكر ، ولا ثقافة .
تلاقيه يقول لك : إنت مش عارف إنت بتكلم مين !! !!! .
وهذا تكريس للطبقية القميئة .
الأخطر من ذلك أقوال بعض المثقفين ، من أن ابن الزبال احسن له يبقى زبال ،وآخر ينادي بالغاء مجانية التعليم.
هؤلاء يكرسون للتفرقة الاجتماعية .
لكي نكون منصفين ، لاننسى مجهودات الدولة في محاولة الوقوف مع الفقراء مثل تكافل وكرامة ، ومحاربة الابتذال وغسيل الأموال بالقبض على من يقومون به على مواقع التواصل الاجتماعي .
ولكن هذا لن يجدي مع إنتشار الفساد ، فالفساد هو أصل كل بلاء .
ولكي نعود للعدالة الاجتماعية والتوازن الاجتماعي ، واذابة الفوارق بين الطبقات ، يجب محاربة الفساد بكافة أنواعة .
اداري : محسوبية ، واسطة ، تلاعب باللوائح، الفساد المالي مثل الرشوة ، اختلاس المال العام، فساد اقتصادي كالاحتكار ، تهريب الأموال، المضاربات .
الفساد الاجتماعي ، كالغش، الاستغلال ، النفاق الاجتماعي ، والفساد السياسي كاستغلال السلطة ، والولاء مقابل المناصب .
أهم نوع الفساد الفكري لأنه يمثل خطورة قصوى على المجتمع :
إنتشار الخبراء المزيفيين والمؤثرين الذين يقدمون معلومات خاطئة بثقة عالية وهذا ترويج للجهل المقنع ، وانهيار معايير المعرفة ، وانتشارالخرافات والدجل والشعوذة .
تزييف المفاهيم ، صناعة الفكر المتطرف وصناعة الكراهية .
هذا يؤدي إلى إنهيار قيم العدالة والحرية ، صعود الجهل على حساب المعرفة ، وإنتاج أجيال غير قادرة على الابداع والابتكار .
ترسيخ الظلم الاجتماعي.
لكي نبني مجتمعا متقدما يسوده الحب والوئام ، مجتمعا خالي من الكراهية والتطرف ، مجتمعا خالي من الجرائم ، يسوده الأمن والأمان .
فعلينا بالعدالة اباحتماعية واذابة الفوارق بين الطبقات .

نهى عراقي

نهى عراقي ليسانس أداب.. كاتبة وشاعرة وقصصية وكاتبة محتوى.. وأبلودر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى