مقالات

مشكلات الطلاق وأثر غياب الحوار على الأسرة والمجتمع

 مشكلات الطلاق وأثر غياب الحوار على الأسرة والمجتمع

بقلم.. محمد لطيفي Mohamed LETIFI

في السنوات الأخيرة، أصبحت ظاهرة الطلاق من أكثر القضايا التي تُثير القلق داخل المجتمعات العربية. ليست المشكلة في ارتفاع الأرقام فحسب، بل في عمق الآثار التي تتركها هذه الظاهرة على الأسرة، وعلى الطفل، وعلى البناء الاجتماعي بأكمله.
فالعلاقة الزوجية، التي يُفترض أن تكون مساحة للأمان النفسي، أصبحت في كثير من الأحيان ساحة للتوتر الصامت، وللمشاعر غير المعبّر عنها، وللتعب المتراكم الذي لا يجد طريقه نحو الحوار.

إن بداية الانهيار في أي علاقة لا تكون بسبب حدث كبير، بل بسبب التفاصيل الصغيرة التي تُهمل.
نبرة صوت متعبة، كلمة غير موضّحة، مطلب غير مُلبّى، إحساس بعدم التقدير، أو شعور بأن الطرف الآخر لم يعد يسمع، مهما تحدثنا.
وهكذا، شيئًا فشيئًا، يتحوّل اختلاف بسيط إلى فجوة، وتتحول الفجوة إلى مسافة عاطفية يصعب عبورها.

كثير من الأزواج يدخلون الحياة الزوجية وهم يحملون مفهومًا غير مكتمل للدور الذي يجب أن يؤديه كل طرف.
الرجل قد يظن أن توفير المال وحده يكفي، وأن وجوده العاطفي ليس ضروريًا.
والمرأة قد تظن أن الاستقلال المادي يغنيها عن الاحتياج لزوجها، دون أن تلاحظ أن العلاقة ليست مبنية على المال، بل على الشعور بالشراكة.
ومع اختلاط الأدوار وتغيّر التوقعات، يبدأ كل طرف يشعر بأن الآخر لا يفهمه، وأن العلاقة أصبحت عبئًا بدل أن تكون سندًا.

لكنّ الخسارة الأكبر لا تقع على الزوجين فقط، بل تمتد إلى الطفل الذي يجد نفسه فجأة أمام واقع لا يستطيع استيعابه.
الطفل الذي يتنقّل بين أبوين منفصلين يعيش حالة من التشتت العاطفي، فهو لا يفهم لماذا تغيّر كل شيء، ولا يمتلك أدوات للتعبير عن مشاعره.
وقد يؤدي هذا الاضطراب إلى انعزال، أو سلوكيات غير مستقرة، أو بحث عن أمان مفقود في أماكن لا تُعوّض الأسرة.

إن الطلاق، حين يحدث بلا وعي ولا تنظيم، لا يقطع العلاقة بين الزوجين فقط، بل يقطع جذورًا نفسية داخل الطفل قد تحتاج سنوات طويلة لتلتئم.
وحين لا يجد الطفل نموذجًا صحيًا للحوار، فإنه يكرر الأخطاء نفسها حين يكبر، ويدخل في علاقات تعكس ما عاشه لا ما يحتاجه.
وهكذا لا تنتهي المشكلة عند أسرة واحدة، بل تنتقل إلى جيل كامل.

لهذا، يصبح الحوار هو المفتاح الوحيد الذي يمكن أن يُنقذ الكثير من البيوت قبل لحظة الانهيار.
الحوار الذي يعتمد على الهدوء، والوضوح، والاحترام، وليس على الاتهامات أو رفع الصوت.
فحين يتحدث الزوج ليفهم، وتستمع الزوجة لتقترب، يصبح الخلاف فرصة للنمو بدل أن يكون بداية للشرخ.

الطلاق قد يكون حلًا في بعض الحالات، لكن يجب ألا يكون الخيار الأول قبل أن تُمنح العلاقة فرصة حقيقية للحوار.
فالزواج لا يفشل عندما يختلف الطرفان، بل يفشل عندما يتوقفان عن المحاولة… ويتوقفان عن الإنصات… ويتوقفان عن رؤية الجمال الذي جمعهما في البداية.

إن بناء أسرة متوازنة يحتاج إلى وعي، وإلى رغبة صادقة في فهم الآخر، وإلى قدرة على الاعتراف بأننا جميعًا نخطئ… لكننا أيضًا قادرون على الإصلاح.
فحين نبدأ من الحوار، نستطيع أن نُصلح الكثير، وحين نبدأ من الاتهام، نخسر الكثير.

وما بين الخلاف الأول، والطلاق الأخير، توجد مساحة واسعة من الممكن أن تكون جسراً للعودة… لو امتلأت بالاحترام، والرغبة في الإصلاح، والإنسانية.

 

نهى عراقي

نهى عراقي ليسانس أداب.. كاتبة وشاعرة وقصصية وكاتبة محتوى.. وأبلودر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى