مقالات

عمرو هريدي يكتب الى أخبار الشعوب: زمن تساقطت فيه القيم

زمن تساقطت فيه القيم

عمرو هريدي يكتب الى أخبار الشعوب: زمن تساقطت فيه القيم

بقلم عمرو دسوقي هريدي 

 جريدة أخبارالشعوب … عزيزي القارىء , الحياةُ مشهدٌ طويلٌ تتوالى فصوله بين الفرح والترح، بين ما يسندك على الطريق، وما يكاد يفتك بك وأنت تمضي فيه. فيها لحظات تضيءُ القلب كشمعةٍ وسط ظلام، ولحظاتٌ أخرى تغمر النفس في الحزن حتى الركب. وبين ضوءٍ وظلال، تأتيك الحياة بأعاجيب لا حصر لها، أعاجيب أهل الزمان الذين لم يبقوا للدهشة معنى ولا للفضيلة حرمة.
من أعاجيب هذا الزمان أن ترى الظالم يتظلم، ويتقمص ثوب المظلوم، ويطالب بما ليس له، وقد سلب من سواه الحق والنور والطريق. مسكين أنت أيها المظلوم، فكل الساحات احتلوها، وكل المنافذ أغلقوها، وكل الأصوات أخرسوها، فبأي حجةٍ تُسمع؟!
يخاف بعضهم أن تفسد قطرة ماء صيامه، لكنه لا يخاف أن يبتلع حقوق الناس ظلماً وعدواناً، كأن الآخرة لا تحضر إلا عند مواقيت الطعام!
ومن أعاجيب أهل هذا الزمان أن يوجعوك بالكلمة، ويكسروك بالفعل، ثم يسألونك ببرود: لماذا تغيرت؟ لا يدرون أنهم كانوا الخنجر والغدر معاً.
يتشدقون بحقوق الإنسان، ويتلونون بكلمات منمقة، فإذا وقع المحكّ، كانوا أول من سحق الإنسان نفسه. وما يحدث في غزة الجريحة أبلغ شاهد؛ صمتٌ مريب، وقلوب كالحجارة أو أشد قسوة، وساسةٌ باعوا كل معنى للكرامة بثمن بخس.
ابحث عن الثقة… فلن تجدها إلا كبحثك عن سراب، فالنفوس مُسخت، والقلوب غُلّفت، وسوء الظن صار ديدنًا، والنية الطيبة أصبحت تهمة!
ومن عجائب هذا الزمان أن تُقتل الكفاءة بالواسطة، ويُقصى المجتهد ليُقدَّم من لا دراية له ولا أمانة. صار المقعد يُمنح بالمحسوبية، لا بالجدارة، والموهبة تُهمَّش، ويُصفَّق لمن لا يستحق.
في المجالس يلتقون، ولكن لا لقاء… فكلٌّ غارق في هاتفه، والقلوب أبعد ما تكون عن التواصل الحقيقي. كأن الهواتف صارت أوطانهم، والكلمات رحلت من أفواههم إلى شاشاتهم.
يسمعون: “الصلاة خيرٌ من النوم”، فلا ينهضون، وكأن الفجر لا يناديهم، والمآذن تبكي غيابهم، والمساجد صامتة في انتظار من لا يأتي.
ومن العجائب أيضاً: أن الشهرة أصبحت صنماً يُعبد، يتنافس فيها الناس بلا مبدأ، ويتسابقون لكسب “الإعجاب” ولو على حساب القيم. وقد قال الزاهد إبراهيم بن أدهم: “ما صدق الله عبدٌ أحبّ الشهرة.”
أما الحديث عن النوايا، فقد صار فاكهة المجالس، يتحدثون عن ما لا يعلمون، ويخوضون في ما لا يملكون، كأنما أعينهم بوابات للقلوب، وألسنتهم سكاكين تمزق النية قبل الفعل.
وحتى في المآتم والعزاءات، تجردت المشاعر من معانيها، وتحولت إلى عروضٍ استعراضية، كل فريق يلتقط الصور التذكارية، وكأن الحزن أصبح خلفية سيلفي! في الوقت الذي لا يحتاج فيه الميت إلى مظاهر بل إلى دعاء صادق أو صدقة جارية، تُنير قبره وتخفف عنه الحساب.
ومن المآسي أيضاً: حفلات الأعراس التي تحولت إلى سباق في المظاهر، مبالغات لا حدود لها، وإسراف فاضح كأنما السعادة تُقاس بمقدار الذهب والموسيقى، لا بصدق القلوب وطمأنينة الأرواح.
انشغلوا بعيوب غيرهم، وتركوا أنفسهم دون مرآة، لا يرون فيهم عيبًا، بل عيونهم مرصدةٌ لزلات الآخرين، ولسانهم شريك دائم في تتبع العثرات. قال بكر بن عبد الله: “إذا رأيتم الرجل موكلاً بعيوب الناس ناسياً لعيوبه، فاعلموا أنه قد مُكر به.”
والمقارنات صارت لعنة هذا العصر، “فلان عنده، وفلانة تمتلك”، وكأن الرضا قد هاجر القلوب، والحسد أصبح وقود العلاقات.
أما الحياء، فقد أُسقط عمداً، ولباسه تمزق في وضح النهار. الفواحش صارت فناً، والمنكرات أُلبست ثياب المتعة، وصفقوا لها بلا خجل، حتى صارت الفضيلة غريبة في أوطانها. رحم الله الشيخ محمد الغزالي حين قال:
“ما قيمة صلاة أو صيام لا يعلّمان الإنسان نظافة الضمير والجوارح؟!”
ورغم كل هذا العجب في زماننا، يبقى الأمل في قلوبٍ لم تمت، وضمائر ما زالت تنبض بالحق. فالحل يبدأ من أنفسنا، من تربية القلب على الصدق، والعين على غضّ الطرف، واللسان على الطيب من القول.
لنُعد للحياء مكانته، وللمسجد روّاده، ولنُحيِ القيم في بيوتنا ومدارسنا ومجالسنا. فصلاح المجتمع يبدأ من صلاح الفرد، وإذا طاب الأصل أينعت الثمار. فلنكن نحن البذرة… في زمنٍ كثر فيه الزيف، ولنُضيء بأخلاقنا طريقًا في ليلٍ طغى عليه الظلام.
اقرا ايضا :
عمرو هريدي يكتب الى أخبار الشعوب: زمن تساقطت فيه القيم
عمرو هريدي يكتب الى أخبار الشعوب: زمن تساقطت فيه القيم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى