هل الماضي فعلاً جميل ؟
هل الماضي فعلاً جميل ؟؟
أحمد سلامة التهامي
من منا لا يشتاق إلى الماضي ، من لايريد العودة للماضي ، من منا لا يحتاج لإعادة الزمن الذي ولى ، بل من لايريد الدخول إلى عالم أفلام الأبيض و الأسود و المشاركه في أحداثه. من منا لم يجرب حالة ” النوستالجيا” nostalgia و التي يصفها علماء النفس بأنها (آلية دفاع يستخدمها العقل لتحسين الحالة النفسية و لتحسين المزاج خاصةً عندما نواجه صعوبات في التكيف و عند الشعور بالوحدة) .
فمع تكدس مدننا بالسيارات و إزدحام الشوارع نشتاق لقاهرة الخمسينيات حيث خلاء الشوارع و اتساعها للسيارات و السائرين، و مع جنون أسعار العقارات من لا يشتاق للعوده إلى الستينيات و قراءة لافتة شقة للإيجار و وجود لجان لتخفيض الإيجارات من بعدها ، و مع تزايد الهجرة غير الشرعية و ظاهرة مراكب الموت للهروب إلى أوروبا من لا تراوده فكرة العودة إلى السبعينيات حيث إعتداد طلبة الجامعة السفر للخارج خلال أجازة الصيف للعمل دون تعقيدات و صعوبات قبل عودتهم مع بداية العام الدراسي.
و مع المستوى الهابط و الركيك للفن و خصوصاً الغناء فيما يعرف بأغاني المهرجانات ، من لا يريد العودة للفن الجميل و أغنيات عبدالحليم حافظ و السيدة أم كلثوم.
و مع تضخم الأسعار القاتل الذي نعيشه حالياً و تخلي الكثيرين عن أشياء اعتادوا عليها نظراً لإرتفاع السعر الغير منطقي أو مبرر لمعظم السلع و الخدمات ألا نتمنى العودة لأزمنة أبعد حيث توافرت فيها السلع بما يناسب الدخل .بل أن البعض أصبح يميل للنظام الملكي بدلاً من الجمهوري ، لهذا لابد أن نجيب أولا عن سؤال هام ألا و هو هل الماضي جميل ؟ بالتأكيد الإجابة هي لا، فكل شخص يرى الماضي بمنظوره الخاص و طبقاً لتجاربه الشخصية .
فمن تحمل الحرمان و الشقاء في طفولته و شبابه بالتأكيد لن يجد الماضي جميل و لن يتمنى العودة الشقاء ، ومن فقد شخص بالوفاة ، أو فقدان حبيب أو فقد ثروة أو منصباً ، فلن يجد سلواه غير بالرجوع إلى الماضي و العيش على ذكرى ما فقد .
لذا فلا بد من ألا نقع فيما يعرف ب”أخطاء التفكير ” مثل حالة (التفكير الانتقائي). و هي حالة إنتقاء الإيجابيات فقط و التغافل عن السلبيات . كمن يرون أن المرحلة الملكية هي افضل فترة لمصر دون النظر عن سلبيات و خطايا تلك المرحلة.
و هنالك ( التفكير القطبي) و هي حالة التعميم المطلق فالكل جيد أو الكل سيئ . كمن يرون أن حقبة تاريخية ما أو في زعيم سياسي هو الخير المطلق أو الشر المطلق كحالة الزعيم المصري جمال عبدالناصر.
و هنالك (التفكير العاطفي) و هي حالة رؤية الأمور حسب ما يميل إليه و برغبة الفرد . كمن يبررون إستخدام العنف و أنه يمكن التغاضي عنه لسبب أكثر نبلا . كإعتقال الرئيس السادات لكل معارضيه في سبتمبر ١٩٨١. في سيبل الحفاظ على أمن الوطن .
إن خوف الإنسان من مواجهة المستقبل الغير معروف أحداثة أو نتائجة بالنسبة له يدفعك للعودة للماضي الذي خضت تجربتة بالفعل و آمنت نتائجها مهما كانت درجة الرضا عنه.
كما أن لأسلوب الحياة العصري ذو النزعة الرأسمالية ، و إعتصار الإنسان في حياته اليوميه و متطلبات العصر الإستهلاكي الذي نحياة و التغيرات السريعة في التقنيات دور هام في حالة ” النوستالجيا” حيث أدت لزيادة اغتراب الإنسان و صعوبة التأقلم و التكيف مع الواقع خصوصاً مع تقدم العمر و مرور العمر ، فتصبح من الحيل الدفاعية التي يستخدمها العقل لتحسين الحالة النفسية و الصحية و محاربة الاكتئاب.
لكن لابد من الحذر عند الانغماس في الماضي فقد تزيد السلبيات و المخاطر على الشخص ، فيمكن أن يؤدي إلى ما يعرف ب(النكوص) و هي ممارسة سلوكيات لا تتناسب مع سن الشخص ، كالمراهقة المتأخرة، و (الإنكار) حيث رفض غياب شخص سافر أو توفى أو فارق عاطفياً ، و استمرار مراسلته مثلاً أو التحدث إليه.
و في النهاية إن كان حاضرنا ليس مثالياً فلا يعني ذلك الهروب منه إلى الماضي بل تقبل الحاضر و العمل على تحسينه، و أن نضع في إعتبارنا أن من سنلقاهم في الماضي غالباً ليسوا راضين عن واقعهم ، ولا بد من أن نسألهم هل الماضي فعلا جميل ؟
رائع ومبدع حقيقه انا من عشاق الماضي كنت أود أن أكون من جيل الخمسينات لكن للاسف