مقالات

قرار خاطئ

قرار خاطئ
كتب / أحمد سلامة التهامي

متى إكتشفت أن حياتك الحالية بكل ما فيها من مُنغصات و متاعب هي نتاج قرار خطأ اتخذته منذ زمن ؟، متى إكتشفت أن عملك الحالي بكل ما فيه من متاعب و ضيق مادي هو نتاج قرار خطأ اتخذته منذ عدة سنوات؟ ، متى إكتشفت أن حياتك العائلية الغير مستقرة و المليئة بالمشاكل كانت نتاج قرار خطأ أُتخذ منذ العديد من السنوات؟ ، كم مره لُمت نفسك بسبب ما تعانيه حالياً عندما إكتشفت أنك السبب وأنك المسئول عن ما أنت فيه بسبب قرار خطأ تم اتخاذه في الماضي و تندم عليه حالياً ، فما كان منه إلا أن يؤثرعلى حاضرك و مستقبلك ، و عادًة ما يأتي الشعور بالندم بعد اتخاذ قرار خطأ أو الفشل في اتخاذ القرار الصائب و فقدان شيء ما، ونحن نميل إلى الندم على الأشياء التي لم نفعلها، ولا أحد يأتي إلى هذه الحياة دون أن يندم على بعض أفعاله. ألم نندم على شخص قررنا صداقته و ندمنا على آخر قررنا فقدان صداقته ،ألم نندم على بضعة ساعات أمضيناها في لهو كانت كفيلة بتغيير مسيرتنا الدراسية ، ألم نندم على عمل تركناه بإرادتنا وندمنا أيضاً على عمل أفنينا فيه سنوات عمرنا، و حتى أشياء صغيرة و بريئة كشراء الحلوى لأطفالنا نندم عليه عندما يصيب أسنانهم بالتسوس، أو طعام نشتهيه و نسرف فيه فيؤدي بنا إلى أمراض بالمستقبل ، لكن ذلك لا يعني القلق ، فحياة الإنسان اليومية تحتوي على العديد من القرارات و الخيارات و التي يلزم عليه إتخاذها وعليه أن يتحمل عاقبتها و نتائجها بعد ذلك ، وكلما تعددت الخيارات تعقدت عملية اتخاذ القرار وأصبحت المفاضلة بين الخيارات المتاحة عملية مرهقة نفسياً وذهنياً .
و لكن ألم نسأل أنفسنا لماذا قد اتخذنا القرارات الخاطئة؟ وكيف اتخذناها ؟ و لماذا لم ندرك أبعادها السلبية مستقبلاً؟
والإجابة هي أننا عند إتخاذ أي قرار نكون تحت تأثير معلومات أو بيانات خاطئة تجعلنا نبني حسابات خاطئة، كما أن محدودية الخبرة و انعدام التجارب السابقة تسهم بشكل كبير في اتخاذ قرار خاطئ بسبب عدم وجود معرفة مُسبقة بعواقب و تداعيات القرار ، كما أن للهوى و الرغبة دوراً في عملية اتخاذ القرار الخاطئ فأحياناً رغبتنا في الشيء والميل اتجاهه يؤدي إلى تشوش الحقائق وتزييفها أمام أعيننا و من ثم عدم إتخاذ قرار صائب ،و لابد من أن لا نغفل دور النماذج السيئة التي نراها أمامنا و التي قد نرغب في أن نصبح مثلها في شيء مثل الثراء المالي فنتخذ قرارات خاطئة للحصول من خلالها على ثراء سهل و سريع ،كما أن التعصب و التحيز إتجاة كيان أو مبدأ أو فكرة أو قومية أو حتى نادي رياضي يؤثر على آليات إتخاذ القرار و يجعلك تتخذ قراراً يصب لصالح ما تتحيز إليه حتى و إن كان خاطئ تحت غطاء التحزب و التعصب ، وأيضاً تجاهل نصائح الآخرين و التشبث بالرأي وعدم التشاور مع الآخرين يؤدي لاتخاذ قرارات خاطئة نتيجة الرأي الفردي الذي هو في الغالب يكون قاصراً على نظرة محدودة.
و لعل الفيلم الأمريكي الشهير و الذي حصد خمسة جوائز للأوسكار ” saving private Rayan” للنجم توم هانكس والمخرج ستيفن سبيلبرج يوضح أثر القرارات الخاطئة بداية من إرسال أربعة أشقاء للقتال ، مروراً بسحب مقاتلين لصالح من المعركة من أجل العثور على الجندي رايان الشقيق الباقي على قيد الحياة ، و مروراً بالطائرة التي سقطت بطاقمها و الجنود المنقولين فيها بسبب الحمولة الزائدة و التي كانت سيارة لإحدى الجنرلات، و الأسير الذي أسرته مجموعة الإنقاذ ثم قامت إطلاق سراحه دون حجزه مع الأسرى فعاد ليقاتل ضدهم مرة أخرى، نهاية برفض الجندي العودة للوطن والامتثال لأوامر قيادته ، فكانت النتيجة في النهاية مقتل أفراد المجموعة التي أرسلت لإنقاذ الجندي ، فنرى أن قرار خاطئ تم اتخاذه في البداية أدى لسلسلة من القرارات للمحاولة إصلاحه لكنها كانت خاطئة هي الأخرى ، و المحصلة في النهاية الكم الكبير من الخسائر.
و هنا يكمُن أكبر تحدي للإنسان بعدها هو كيف التعامل مع القرار الخاطئ ؟ و أول شيء لابد منه لمعالجة القرار الخطأ هو الإعتراف به و إدراك حجم المشكلة التي حدثت و توصيفها بدقة وحيادية وموضوعية، و مناقشة الأبعاد المختلفة للمشكلة مع من نثق برأيهم ، و ثاني شيء هو التعلم و أخذ الخبرة من مما سبق و أن حدث، و هنا يتحول الخطأ من عبء إلى مكسب و من ضررٍ إلى نفع . فبدلًا من أن يعلقُ الشخص في مشاعر الإحباط أو الندم، يبدأ باستخلاص الدروس و تكون فرصة للتعلّم و من ثم كسب الخبرة لمواجهة التحديات الجديدة و آخر و أهم شيء هو عدم الإستسلام لليأس و عدم لوم النفس و جلد الذات ، فالأهم دائماً التعلم من الخطأ لتفادي حدوثه مرة أخرى ، فالكل يخطئ لكن الفارق يكون هو التعلم وعدم تكرار الخطأ، فالفأر لا يدخل المصيدة مرتين ، و لا يُلدَغُ المؤمنُ من جُحْرٍ واحد مرتين .

قرار خاطئ
أحمد سلامة التهامي

نهى عراقي

نهى عراقي ليسانس أداب.. كاتبة وشاعرة وقصصية وكاتبة محتوى.. وأبلودر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى