ساعي البريد قصة قصيرة
ساعي البريد.. قصة قصيرة
بقلم أبو المعاطي أبوشارب
في إحدى جولاته اليومية لتوزيع الخطابات على سكان الحي، طرق ساعي البريد باب إحدى الشقق لتسليم خطاب مسجل بعلم الوصول، فسمع من خلف الباب صوت فتاة صغير تقول له: “لحظة من فضلك انتظر قليلاً!” مرت عدة دقائق فبدأ ساعي البريد يشعر بالضيق من طول الانتظار. طرق الباب مرة أخرى، وهذه المرة سمع الصوت نفسه يأتيه من خلف الباب ويقول له: “إذا كنت في عجلة من أمرك فلا تتردد في ترك الخطاب في صندوق البريد عند الباب”. أجاب ساعي البريد: “لا يمكنني ذلك، فهناك خطاب لك مسجل ويلزم توقيعك على استلامه. سأنتظر والأمر لله”.
أحست الفتاة الصغيرة وهي تقترب من الباب أن ساعي البريد قد غضب، بينما ظن ساعي البريد أن الفتاة ستكيل له السباب عندما تفتح له، ولكن الذي رآه ساعي البريد جعل الغضب يختفي على الفور. راي فتاة صغيرة على كرسي متحرك بلا أرجل ولكن بعينين جميلتين واسعتين. سلمها الرسالة وطلب منها التوقيع عليها وهم بالانصراف دون كلام. لكن الفتاة الصغيرة ابتسمت له ابتسامة اعتذار وشكرته على صبره وتمنت له يوما سعيدا.
استمر ساعي البريد في عمله كالمعتاد وفي كل مرة يطرق الباب وينتظر بصبر بالغ وصول الفتاة الصغيرة، مع مرور الوقت أصبحا صديقين، فراحا يتجاذبان أطراف الحديث. كانت الفتاة تسأله في كل مرة عن شيء يخصه، مثل: “هل تحب ما تفعله كل يوم بتوزيع البريد؟ هل لديك أطفال كم عدد الرسائل التي عليك توصيلها اليوم”.
كان ساعي البريد يجيبها ويبتسم لها، حتى تجرأ ذات مرة وسألها عن فقدان ساقيها فقالت له: “لا تقلق!” وابتسمت ابتسامة لم ير ساعي البريد مثيلا لها في حياته أبدا. قالت له: “والدي يقول لي دائمًا أن لدي قلب أكبر من ساقي!”.
ومضت الفتاة تحكي له: “هل تعلم ماذا أفعل في كل شهر أضع المال في حصالة النقود وعندما يمتلئ بالمال سيشتري لي والدي أطرافًا صناعيًة لكي يصبح بإمكاني المشي”.
أصبحا صديقين حميمين ومع قدوم فصل الخريف أصبحت الأمطار تتكرر أكثر فأكثر، وأثناء هطول الأمطار الغزيرة كان ساعي البريد ينتظر عند الباب لتسليمها الرسائل ولاحظت الفتاة كرمشة في حذائه المتهالك، كما لا حظت أنه لا يغير هذا الحذاء، فاستشفت أنه ليس لديه غيره.
عندما اقترب عيد الميلاد. قرر ساعي البريد ألا يذهب خالي الوفاض واشترى علبة حلويات هدية وعندما فتحت الفتاة الصغيرة الباب رحبت به واستلمت الرسائل بالإضافة إلى علبة الحلوى. شملته فرحة عارمة حينما وجد الابتسامة على وجهها سعيدة بهذه الهدية. استدارت الفتاة وقدمت له مفاجأة كانت قد جهزتها على الطاولة خلفها. كانت الهدية عبارة عن صندوق، فطلبت من ساعي البريد أن يأخذ الصندوق إلي منزله هدية بمناسبة عيد الميلاد.
تأثر ساعي البريد وقال لها: “لا أستطيع قبول ذلك”.
قالت له: “اعتقدت أننا أصدقاء وتبادلنا هدايا عيد الميلاد إذا لم تقبل ذلك سوف أكون حزينة جدا في عيد الميلاد”.
عند سماع ذلك أخذ ساعي البريد الهدية وغادر بعد أن شكرها وتمنى لها عيد ميلاد سعيد وعندما فتح الصندوق وجد رسالة تقول: “ابحث عن ذكري جميلة لصديقي الطيب. الآن يمكنك المشي دون ان تبتل قدمك!”.
امتلأت عينا ساعي البريد بالدموع وأدرك أن الحذاء الموجود بداخل الصندوق جاءت من حصالة النقود التي إدخرتها الفتاة لشراء أطراف صناعية، وقال لنفسه: ” قد أعطتني كل مدخراتها، وضحت بها لشراء حذاء لي”.
وفي اليوم التالي ذهب إلى رئيسه وقال له: “سيدي يرجى تغيير مساري لتوزيع الخطابات في هذا الحي. هذه الفتاة الصغيرة تخلت عن حلمها بالمشي، من أجل ألا تبتل قدماي بسب حذائي المثقوب.. إنها تعتني بي ولا أستطيع أنا أبادلها عطاءها، وكم كنت أود أن أفعل ذلك”.
عندما علم المدير بهذه البادرة الرائعة من جانب الفتاة الصغيرة. بدأ بتنظيم حملة لجمع التبرعات وفي يوم عيد الميلاد طرق ساعي البريد الباب في انتظار أن تفتح له الفتاة الباب، ولكن هذه المرة فتح الباب بسرعة.
خرج الأب وهو يحمل الفتاة الصغيرة بين ذراعيه ولم يكن هناك ساعي البريد فحسب، بل كان هناك أيضًا رئيس العمل وجميع سعاة البريد في المدينة. ابتسمت الفتاة الصغيرة واندهشت مما رأت. استلمت من صديقها ساعي البريد صندوقًا صغيرا مزخرفا بالألوان وبطاقة مدونا عليها: “إلي صديقتنا المفضلة، سيكون بإمكانك المشي الآن. ورغم أن قلبك كبير فإن ساقيك ستحملانه وتجريان به لعمل الخير، حتى تجاه سعاة البريد”.
وغالب ساعي البريد دموعه وهو يقول لها: “بعض الناس يفقدون سيقانهم، ولكن إذا كان لديهم قلب مثل قلبك، مليء بالحب، وإذا كانت لديه ابتسامة خلابة مثل ابتسامتك، وإذا كانت الكلمات على شفتيك دافئة حانية، فسوف يضيء أي مكان يحيط بك”.
وقال الأب وهو يودعهم: “هذا أجمل عيد ميلاد مر علي في حياتي”.