جيل زد 212 والمظاهرات الرقمية بالمغرب من خلف الشاشات إلى الساحات

جيل زد 212 والمظاهرات الرقمية بالمغرب
من خلف الشاشات إلى الساحات
بقلم / سماح علام
الشعوب.. لم يتوقع أحد أن يخرج آلاف الشباب المغاربة إلى الشوارع في أواخر سبتمبر 2025، تحت شعار “جيل زد 212” في إشارة إلى رمز هاتف بلادهم، ليصنعوا مشهداً احتجاجياً غير مسبوق في تاريخ المغرب الحديث. هؤلاء الشباب، المولودون بين أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، ليسوا فقط أبناء الثورة الرقمية “التيك توك” و”الإنستغرام” و”الديسكورد”، لكنهم أيضاً أبناء واقع اجتماعي واقتصادي متردٍ جعلهم يطالبون بما يعتبرونه حقوقاً أساسية.
على عكس الحركات التقليدية التي كانت تعتمد على نقابات أو أحزاب أو قيادات سياسية، جاءت حركة “جيل زد 212” من فضاء الإنترنت. صفحات مجهولة على وسائل التواصل دعت إلى النزول، فانتشرت بسرعة كالنار في الهشيم، وفي ساعات قليلة تحولت تلك الدعوات الرقمية إلى مظاهرات في عشرات المدن، لتبرهن أن قوة هذا الجيل تكمن في التنظيم الأفقي المفتوح، بعيداً عن الهياكل الصلبة أو القيادات المألوفة.
وقد حملت المطالب قدراً كبيراً من الواقعية: كتحسين المستشفيات والمدارس، معالجة أزمة البطالة، توفير عدالة اجتماعية، والحد من الإنفاق الكبير على الاستعداد لبطولات رياضية ككأس العالم 2030، في وقت يشعر فيه المواطن العادي بضغط الغلاء وضعف الخدمات الأساسية. وكان هذا التناقض بين أولويات الدولة واحتياجات الناس المحرك الأساسي لتفجير شعور الغضب لدى هؤلاء الشباب.
وبالرغم من أن “جيل زد 212” أعلن مراراً رفضه للعنف، فإن بعض المظاهرات شهدت مواجهات مع قوات الأمن، وعمليات تخريب لممتلكات عامة وخاصة، مما اضطرّ الدولة للجوء إلى خطاب التهدئة والتأكيد على الاستعداد للحوار.
المظاهرات الرقمية في المغرب لا تعكس فقط غضباً اجتماعياً، بل تعبّر أيضاً عن تحوّل عميق في طرق التعبير السياسي. فشباب اليوم لم يعودوا ينتظرون وساطة أحزاب أو زعامات، هم يصنعون منصاتهم، ويحددون أولوياتهم بأنفسهم، ويكتبون فصلاً جديداً من الاحتجاج، يتجاوز العالم الافتراضي خلف الشاشة ليصنع واقعاً ضاغطاً على الدولة. ولكن، هل ستستمع الحكومة المغربية إلى أصوات هؤلاء الشباب الذين تركوا مدرجات المشجعين ونزلوا إلى “ارض الملعب” في لحظات حاسمة للتسديد في مرمى صناع القرار؟.
