المغربي أيمن الدفالي… شهيد الشجاعة الذي صمتت من أجله الضمائر

المغربي أيمن الدفالي… شهيد الشجاعة الذي صمتت من أجله الضمائر
عبد الله مشنون
كاتب وصحفي مقيم بايطاليا
الشعوب.. في زمن يتراجع فيه معنى التضامن وتتوارى فيه قيم الشجاعة، ظهر فتى في السادسة عشرة من عمره، اسمه أيمن الدفالي، ليعيد تعريف البطولة الحقيقية. شاب مغربي الأصل، يقيم مع أسرته في إقليم “روفّيغو” الإيطالي، خطف الأضواء من بين عناوين الجرائم والسياسة، لا ليحظى بإعجاب العالم، بل ليرحل شهيدًا بعدما أنقذ أرواحًا لم تعترف له حتى بجميلها.
قفزة إلى الموت… من أجل الحياة
في لحظة مصيرية على ضفاف قناة “لوغونوڤو” بمنطقة ليدو إستانزي الساحلية، شاهد أيمن برفقة أصدقائه زوجين يستغيثان وسط الماء. لم يتردد. لم ينتظر. لم يزن الموقف. قفز نحو المجهول بدافع الفطرة الإنسانية والكرامة التي لم تدرسها له أي مدرسة. في تلك اللحظة، لم يكن شابًا مهاجرًا، بل كان إنسانًا فقط.
لكنه لم يكن سبّاحًا محترفًا، بل مجرد مراهق يملك قلبًا كبيرًا، وقدرة محدودة على مقاومة تيارات غادرة ومياه خطرة حُذّر الجميع من السباحة فيها. غرق أيمن، وخرج الآخرون.
المأساة لم تكن في رحيل أيمن فقط، بل في صمت من أنقذهم. الزوجان اللذان ساعدهما على النجاة، اختفيا مباشرة بعد الحادث، دون أن يقدّما إسعافًا، ولا حتى كلمة شكر. اختفيا كما تختفي الأخلاق حين تُختبر، وتركوا خلفهم صبيًا جثة هامدة، وأصدقاء مذهولين، وعائلة مفجوعة.
ما يُؤلم أكثر من مأساة أيمن، هو صمت الإعلام الإيطالي، خصوصًا القنوات والبرامج التي لا تتوانى عن تسليط الضوء على كل خطأ يرتكبه مهاجر، لكنها تغضّ الطرف حين يكون المهاجر بطلاً، أو إنسانًا نبيلًا.
أين هي برامج التحقيق؟ أين هي برامج “التوك شو” التي تملأ الشاشات كل مساء؟
لماذا لم يُخصص تقرير، أو حتى فقرة صغيرة، لتكريم هذا الشاب المغربي الذي ضحّى بحياته من أجل زوجين إيطاليين؟
هناك عنصرية ناعمة، لا تُعلن نفسها، لكنها تظهر في الانتقائية، في من يُسلَّط عليه الضوء، ومن يُطمر في الظل.
متى أخطأ مهاجر، أصبح مادةً إعلامية.
ومتى ضحّى أو قدّم شيئًا نبيلاً، تم تجاهله وكأنه لم يكن.
أيمن لم يمت… لقد خُلِّد
قد يكون جسد أيمن قد رحل، لكن اسمه سيظل محفورًا في الضمير الجمعي لكل من يعرف معنى “الشهامة”. لقد مات من أجل الآخرين، في بلد لم يُولَد فيه، لكنه أصبح له فيه معنى.
اليوم، لم تعد الواقعة مجرد خبر في صحيفة، بل مرآة صادمة لمجتمعات تستهلك الأبطال دون أن تتوقف لتكرّمهم.
رسالة إلى إيطاليا… وإلى الضمير العالمي
إلى السلطات الإيطالية: تكريم روح أيمن الدفالي لا يجب أن يقتصر على ملف قضائي أو تقرير للنيابة، بل يجب أن يُترجم إلى وسام شرف وطني يُمنح لروحه، ويعلّم الأجيال أن البطولة لا تُقاس بالعِرق أو الأصل، بل بالفعل.
وإلى الإعلام الإيطالي: لا تنسَ أن العدسة التي تتجاهل الحقيقة، تصبح شريكة في الظلم.
أيمن الدفالي لم يكن مجرّد مراهق، بل بطل بصيغة الإنسانية.
أنقذ الآخرين… وترك لنا درسه الأخير:
أن تكون إنسانًا، يعني أن تغامر بحياتك من أجل إنقاذ حياة لا تعرفها.
لكن… أن يتجاهلك العالم بعد ذلك، فهذه مأساة أخرى لا تقلّ قسوة عن الغرق.
