الخبير العسكري لواء د. سمير فرج يكتب: متى ينقشع الكابوس عن لبنان؟

الخبير العسكري لواء د. سمير فرج يكتب:
متى ينقشع الكابوس عن لبنان؟
لواء دكتور/ سمير فرج
لبنان … ذلك البلد العربي الجميل، الذي لُقب باسم “سويسرا الشرق”، بعدما خطف قلوب العالم بجماله، وروعة طبيعته، وثقافة شعبه، وتحضر أخلاقهم. يتوزع سكان لبنان بين عدد من الديانات والمذاهب؛ فتبلغ نسبة المسلمين 60% من تعداد السكان، ما بين السُنة، والشيعة، والدروز، والإسماعيليين، والعلويين، بينما تبلغ نسبة المسيحيين 29%، منهم الموارنة، والكاثوليك، والروم الأرثوذكس، والسريان، والبروتستانت، بالإضافة إلى وجود أقليات من اليهود، والهندوس.
ولتفادي أي نزاع طائفي، فقد أقر الدستور اللبناني أن يتولى رئاسة الجمهورية مواطن مسيحي، وجرت الأعراف، أن يتم اختياره من بين الطائفة المارونية، بينما يتولى رئاسة مجلس النواب مسلم شيعي، وتكون رئاسة مجلس الوزراء بيد مسلم سُني. أما توزيع العضوية داخل مجلس النواب، فيتم تقسيمها بالتساو بين المسلمين والمسيحيين، ليتكوّن مجلس النواب من 64 عضواً مسلماً، ومثلهم من المسيحين.
وهكذا وضعت لبنان أسُساً دستورية لضمان استقرارها، إلا أن ذلك لم يرحمها من توالي مختلف المشكلات عليها، والتي من أبرزها مشكلة حزب الله، المحسوب على النظام الإيراني، والذي صار يُشكّل حركة سياسية ودينية بارزة، لها تمثيل في مجلس النواب اللبناني. ومع مرور الوقت، تمكن هذا الحزب من فرض سيطرته على السلطة التشريعية، حتى أنه حال دون انتخاب رئيساً للجمهورية اللبنانية، الأمر الذي أدى إلى بقاء البلاد بلا رئيس، وتعيين حكومة، لتسيير الأعمال فقط، لمدة سنتين كاملتين، فارضاً بذلك حالة من الفراغ السياسي، في بلد تحفه المخاطر من كافة الاتجاهات.
وبعد شهور من بدء الحرب، الجارية، في غزة، شنت إسرائيل هجمات موجعة على حزب الله، استهدفت بها البنية الأساسية التحتية، كما قامت بعملية عُرفت باسم “عملية البيجر”، تمكنت فيها من اغتيال أكثر من 300 عضو بارز في حزب الله، وصولاً لاغتيال حسن نصر الله، أمين عام حزب الله وزعيمه الروحي. ليتمكن لبنان، في يناير ٢٠٢٥، من انتخاب السيد/ جوزيف عون رئيساً جديداً للجمهورية، وتشكيل مجلس الوزراء برئاسة السيد/ نواف سلام، بعد تعطل دام أكثر من سنتين، لتواجه الإدارة الجديدة أزمة نزوح اللاجئين إلى من مختلف دول الجوار، ومنهم الفلسطينيين المقيمين في مخيمات داخل لبنان، ويُعتبر كل مخيم وكأنه دولة داخل الدولة.
يُضاف لذلك سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وخروج إيران من مشهد السيطرة على سوريا، لتنقطع خطوط الإمداد الإيرانية إلى لبنان، التي كانت تمر عبر سوريا، ورغم ذلك لازالت إسرائيل تشن هجومها، من آنٍ لآخر، على عناصر حزب الله في لبنان، خاصة مخازن تشوينات الذخائر والمعدات، مع بقاء لبنان عاجزة عن التصدي، أو الرد، على ضربات إسرائيل داخل حدود الأرض اللبنانية، ليزداد الوضع سوءاً، مع التصعيد الإسرائيلي الذي تجاوز المطالبة بعودة حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني، إلى مطالبة الجيش اللبناني بسحب سلاحه بالكامل.
في نفس الوقت أصدر رئيس الحكومة أوامره للجيش اللبناني بنزع سلاح أفراد المخيمات، وهو الأمر الذي تشوبه الكثير من الصعوبات والتحديات، وهو ما يدفع إسرائيل لاستغلال الفرصة، يومياً، لمهاجمة عناصر ومخازن حزب الله في لبنان، خاصة في جنوب بيروت. وازدادت المهمة تعقيداً، بإعلان الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، رفض الحزب لنزع السلاح، داعياً المجتمع الدولي لحذف ذلك المصطلح من قاموسه، مؤكداً أن المشكلة ليست سلاح المقاومة، وإنما الاحتلال الإسرائيلي. كل هذا بالإضافة للمشكلة الحدودية في منطقة مزارع شبعا، التي تأمل لبنان حلها مع إسرائيل. فضلاً عن مشكلة البلوك رقم تسعة في المياه الاقتصادية اللبنانية، الذي قامت إسرائيل بالاستيلاء عليه للسيطرة على حقول الغاز اللبنانية، واستخراج الغاز وتصديره لحسابها، بينما يعاني شعب لبنان من نقص إمدادات الطاقة.
لم تقف المشاكل عند هذا الحد، وإنما ظهرت مشكلة جديدة تتعلق بقرار منع مصرف لبنان المركزي من القيام بأي تعامل مباشر، أو غير مباشر، مع مؤسسة “القرض الحسن”، التابعة لحزب الله، والمدعومة من إيران، ذلك القرار الذي وصفه المبعوث الأمريكي إلى لبنان بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح. وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد فرضت، في وقت سابق، عقوبات على مؤسسة “القرض الحسن”، التي اعتبرتها الذراع المالي لحزب الله في الخارج، حيث كان الحزب يستخدمها في تنفيذ عمليات مالية وأوامر تهدف للوصول إلى النظام المالي العالمي، رغم القيود الدولية المفروضة عليه.
يضاف لكل ذلك المشكلة الاقتصادية اللبنانية، التي تُعد من أعقد المشاكل، بعدما تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل العملات الأجنبية، وهرب المستثمرون الأجانب، ومثلهم اللبنانيون، بأموالهم خارج لبنان. إذ ترى لبنان ضرورة قيام الدول الأوروبية بضخ مزيد من الأموال والاستثمارات، بهدف تحقيق الاستقرار لسعر صرف الليرة اللبنانية، تمهيداً لإعادة الاقتصاد البنيوي إلى ما كان عليه من قبل الحرب. كما تأمل لبنان أن تقوم الولايات المتحدة بالتدخل لحل المشاكل بين لبنان وإسرائيل، والوصول إلى حل يرضي الطرفين، لتنظيم عملية اعادة إعمار لبنان بعدما دمرته إسرائيل خلال هذه الحرب، وغالباً ما ستكفل فرنسا بعقد مؤتمر للدول المناصرة للإصلاح.
وهكذا، فإن الجميع في لبنان، والدول المحيطة، على أمل أن تهدأ الأمور، خاصة في ظل سيطرة الجيش الأمريكي على الأوضاع، ودعم دول أوروبا، حالياً، لاستقرار لبنان، والعمل على إعادة إعمار البلاد، لكي تعود لبنان كما كانت من قبل … سويسرا الشرق.

متى ينقشع الكابوس عن لبنان؟