الجانب السييء !..رسالة من بريد الجمعة
الجانب السييء ! .. رسالة من بريد الجمعة
من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)
أنا فتاة في الثالثة والعشرين من عمري.. نشأت بين أبوين يسود بينهما الحب والتفاهم ومع أخوة أحباء من الجنسين لكل منهم حياته الخاصة الموفقة,
وقد بدأت قصتي التي دفعتني للكتابة إليك منذ 3 سنوات وأنا في بداية دراستي الجامعية فلقد تعرفت علي شاب يتقاربني في العمر ويدرس بإحدي كليات القمة وشعرت تجاهه بالاحترام والتقدير ثم لم ألبث أن شعرت بعد فترة قصيرة من تعارفنا بقلبي يخفق تجاهه وكانت المرة الأولي التي يخفق فيها لأحد.. ولم يمض وقت طويل حتي صارحني بمشاعره وارتبط كل منا بالآخر وازداد عمق العلاقة بيننا ومضي عام علي هذا الارتباط, ثم حدث أن حضرنا معا احتفالا صغيرا لزواج أحد الأصدقاء عرفيا من زميلة لنا .. فطرأت الفكرة علي ذهن كل منا في وقت واحد تقريبا .. لماذا لا نفعل ما فعلاه وبالطريقة نفسها؟
وخلال أيام أبدي كل منا رغبته في أن نتزوج زواجا عرفيا لا يعلم به أحد من الأهل .. ولكن بشرط أن أحتفظ بعذريتي وكان دافعي إلي ذلك هو أن يطمئن قلبي إلي أن ارتباطنا سيصبح بذلك أبديا وحتي نهاية العمر, وبالطريقة نفسها التي تم بها زواج الصديقين أتممنا زواجنا عند أحد المحامين وأعطاني فتاي مهرا وشهد علي العقد شاهدان من أصدقائه, وعلم به بالفعل بعض الأصدقاء المحدودين علي سبيل الإشهار وعشنا بضعة أشهر تملأ السعادة والحب والاحترام حياتنا إلي أن جاء يوم والتقيت به في شقته الخاصة تلبية لرغبته ولكي أري عش الزوجية الذي سأصبح ملكته المتوجة بعد التخرج كما قال لي, وباختصار فلقد خرجت من مسكنه تلك الليلة وأنا سيدة ومشاعري متضاربة بين الخوف والقلق والترقب,
وتوقفت عن الاتصال به لمدة يومين كنت خلالهما أراجع نفسي فيما انتهي إليه أمري وأحاول تبين موضع قدمي, فاتصل بي هو معبرا لي عن سعادته بأنني قد أصبحت زوجته بالفعل .. ومؤكدا لي أن علينا أن نستمتع بحياتنا الزوجية الكاملة خلال فترة الانتظار إلي أن نتخرج ويتمكن من تحويل الزواج العرفي إلي زواج رسمي .. ولم أكن أملك سوي إطاعته في كل شيء وعشنا عاما آخر كاملا علي هذا النحو لمست خلاله في زوجي كل معاني الرجولة والإخلاص وكان الجانب السييء الوحيد في ذلك هو أنني كنت أشعر في داخلي بأنني لصة أسرق الوقت الذي أذهب فيه لزوجي لتلبية احتياجاته ..
وأسرق من أبي وأمي عمرهما الذي أضاعاه في تربيتي ورعايتي وتوفير كل مطالبي وأحترف الكذب عليهما وأخون ثقتهما التي أعطياها لي بلا حدود, وشق علي تحمل هذا الوضع لفترة أخري فصارحت زوجي بأفكاري وطالبته بأن يتقدم لخطبتي خاصة أنني قد رفضت أكثر من خاطب مناسب دون إبداء أي أسباب .. فكانت الصاعقة التي أصابتني في مقتل حين رفض التقدم لطلب يدي وتخلي عني متعللا بأنه لن يتمكن من إقامة بيت وتكوين أسرة قبل عشر سنوات .. ولأنه سوف يظلمني بزواجه مني لأن حبي له أكبر من حبه لي!
وتجلت الحقيقة المؤلمة أمامي .. وانهرت نفسيا وصحيا وذبل جمالي وماتت الضحكة في وجهي .. وتساءلت لماذا فعل بي ذلك؟ أليس لأنني قد تساهلت معه علي طول الخط؟
وأليس معني هذا أنه وبعد أن أخذ مني كل شيء يريد لنفسه الآن فتاة أكثر حرصا علي نفسها لكي يعطيها اسمه؟ ومرت بي أيام عصيبة إلي أن تمالكت نفسي وطلبت منه الانفصال علي أمل أن يرجع عن رأيه السابق .. فإذا به بعد قليل من التردد يوقع الطلاق .. وإذا بي أري الدنيا كلها أمامي سوداء وأكره نفسي وكل الرجال.
وعشت فترة من أسوأ فترات عمري .. أشعر بخوف قاتل من مواجهة كل من هم حولي وأحس بنظرات الناس جميعا لي وأنا في الطريق وكأنها تتهمني في شرفي وتلومني علي ما فعلت بنفسي وحياتي وأسرتي .. وظللت هكذا إلي أن تقدم لي شاب لم أستطع رفضه وهتف بي هاتف في قلبي أن أقبل به خاصة أن بعض صديقاتي قد طمأنني علي إمكان إصلاح الخطأ الذي تورطت فيه!
وتمت الخطبة وفوجئت خلال تعاملي مع خطيبي بنوع لم آلفه من البشر فهو شاب ممتاز وأخلاقه كريمة وقلبه طيب للغاية ويزداد حبا لي يوما بعد يوم .. فبدأت أسائل نفسي ما ذنب هذا الشاب الطيب في أن ينخدع في؟ ولماذا لم ألتق به قبل خطيئتي الفاجعة؟ .. وبعد تفكير غير قصير قررت ألا أتحمل وزر خديعة هذا الشاب المخلص ويكفيني ما تحملته من أوزار في الفترة السابقة، وصارحته بعجزي عن إتمام الزواج وقدمت له وثيقة الزواج العرفي .. فقرأها وغرق في صمت عميق لعدة دقائق ثم غادر بيتنا بلا سلام.
ومضي يومان شعرت خلالهما على الرغم من الأسى بأنني قد تحررت من بعض الذنب الذي يثقل علي صدري .. ثم اتصل بي قائلا لي إن لكل إنسان خطأ مخجلا في حياته وإنه، علي الرغم من فداحة خطئي الذي لا يغتفر,، فإنني كنت أستطيع خداعه وإتمام الزواج منهدون أن يكتشف الحقيقة، وأن عذري الوحيد فيما فعلت أنه كان زواجا حتي ولو كان عرفيا .. ولم أكن قد التقيت به بعد.
وبالتالي فهو يصفح عما جري ويرغب في إتمام الارتباط.، فشعرت بالخجل من نفسي أكثر وأكثر، ومزقنا معا ورقة الزواج الملعون .. واتفقنا علي أن نبدأ صفحة جديدة في حياتي خالية من الأخطاء .. وخلال ذلك إذا ببركان من الحنق والغيظ والغضب ينفجر في قلبي تجاه فتاي الأول .. وإذا بي أتمني أن يأتي اليوم الذي يشعر فيه بخطئه الفادح ويأتي لكي يطلب مني الصفح والعفو عنه .. أو أن يتزوج وينجب بنات يخدعهن شباب مثله بالكلام المعسول المخادع ويتخلون عنهن كما تخلي عني ..
إنني أكتب لك هذه الرسالة لكي أحذر كل فتاة في مثل عمري ألا تنخدع بوهم الحب الزائف وخديعة الزواج العرفي التي يتحايل بها بعض الشباب علي الفتيات لكي ينالوا منهن ما يريدون, ثم يلقون بهن وراء ظهورهم كما حدث معي .. أرجو أن تؤكد هذا المعني كما تفعل كثيرا وأن تكتب كلمة لفتاي السابق تذكره فيها بأن في السماء ربا يمهل ولا يهمل, ولن ينجو من عقابه عما فعل بي.. أما أنا فإن الإحساس المرير بالذنب يقتلني وأستغفر ربي ليلا ونهارا.. وأتساءل هل أتمم زواجي من خطيبي الحالي بعد كل ما جري.. خوفا من أن يعيرني به في المستقبل بعد الزواج.. أم أتركه لمن هي أفضل مني .. وأنتظر شخصا آخر لا يعلم شيئا عما حدث وأخدعه بالطهر والعفاف المزيفين كما تفعل بعض الفتيات.
ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :
الجوانب السيئة في قصتك هذه كثيرة وليست جانبا واحدا كما تقولين في رسالتك.. ولن أحدثك فقط عن خيانتك لثقة أبويك فيك وهما اللذان أفنيا عمريهما في رعايتك وتلبية احتياجاتك ومنحاك ثقتهما المطلقة بلا حدود.. وإنما سأحدثك أيضا عن الاندفاع والتهور والاجتراء علي كل الأعراف والتقاليد بإقدامك علي الزواج العرفي السري من شاب يقاربك في العمر ويدرس معك بالجامعة نفسها, وأنت في الثالثة والعشرين من عمرك ودون التوقف لحظة واحدة للتساؤل عن مدي مشروعية هذا الزواج.. وجديته وحله أو حرمته في غياب الأهل وأولياء الأمر..
وهل هو الطريق الصحيح إلي الزواج المشروع العلني فيما بعد أم أنه مجرد حيلة قانونية لإضفاء مشروعية كاذبة علي علاقة خاصة .. والتعلل بها لاستباحة الأعراض والاغتراف من اللذة المؤقتة, إلي أن يزهد فيها أحد الطرفين أو يصحو من غفلته؟.
ودون التوقف للتساؤل عن أثر مثل هذا الزواج المزعوم ــ حتي ولو كان قد تم في مكتب محام ووقع عليه شاهدان وعلم به بعض الأصدقاء علي سبيل الإشهار كما تقولين ــ علي حياة الفتاة التي تتورط فيه في المستقبل أو إذا تراجع الزوج عن الوفاء بعهده لمن أوقعها في حبائل هذا الشرك الخداعي ولم يتقدم لأسرة فتاته ويدخل البيوت من أبوابها لطلب يدها من أبويها كما فعل معك فتاك الأول؟
ولو أنكما حين انبهرتما بتجربة زواج عرفي مماثل تم بين بعض الأصدقاء, وأغراكما ذلك كما تفعل القدوة السيئة غالبا بتقليد التجربة بدعوي تأبيد العلاقة وضمان استمرارها, لو أنك قد حاولت حينذاك استقصاء أو تتبع مصير بعض حالات الزواج العرفي التي تمت بين طلبة وطالبات جامعيين أو فتية صغار خارج دائرة الأهل وبهذا المبرر المزعوم نفسه.. لتعرفي كم منها قد حقق الغرض المنشود من ورائها ..
وتخرج الطرفان وتوجا قصتهما بالزواج الرسمي, وكم منها قد انتهي بالخذلان والخيبة والغدر بالعهود، لأدركت عمق الهاوية التي تنجرفين إليها من البداية، وعرفت أن معظم هذه الزيجات قد انتهي تقريبا بالنهاية المفجعة نفسها, إما لأن الشاب ومهما تظاهر بعكس ذلك لم يعف فتاته علي الرغم من دوره الكبير في إغوائهاـ من الاتهام الباطني لها بالتفريط والاستهتار بالأعراف والتقاليد, فتخوف من الارتباط الرسمي بها بعد أن قضي منها وطره, وإما لأن الفتاة قد اكتمل نموها النفسي والعاطفي والعقلي, وفتر جموحها العاطفي فرأت في شريكها في المغامرة شخصا غير أهل للزواج العلني منها ورغبت في طي صفحته من حياتها والارتباط بمن يكون لائقا بها اجتماعيا وعائليا وماديا.
وعزوف الشاب عن استكمال مثل هذه القصة هو الأغلب والأعم في الحالات المماثلة, لكن آفة الكثيرين منا أنهم لا يتعلمون من تجارب الآخرين ولا يصابون بالظن علي نحو ما قاله عمرو بن العاص حين سئل عن العقل فقال إنه الإصابة بالظن ومعرفة ما سيكون بما قد كان!
وأبلغ دليل علي ذلك هو تبرير فتاك الأول لتخليه عنك بأنه لن يستطيع تكوين أسرة قبل عشر سنوات, فهو عذر أقبح من الذنب, إذ يتضمن اعترافا واضحا منهبانه لم يقصد بزواجه الوهمي منك تأيبد العلاقة وضمان استمرارها إلي حين إضفاء المشروعية عليها كما بررت أنت لنفسك إقدامك عليه.. وإنما قصد به التمتع مؤقتا بفتاة ملبية ومخدوعة بوهم هذا الزواج المزيف..
أما خشيته عليك من أن يظلمك إذا تزوجك لأن حبك له أكبر من حبه لك فهو مبرر لا يقل بشاعة عن سابقه.. لأنه قد ظلمك بالفعل حين استدرجك لهذا الشرك.. وكان من واجبه أن يرفع عنك هذا الظلم بوفائه لك بالعهد لا أن يضاعف منه بالغدر والخذلان وبركان الغضب والحنق الذي يتفجر في أعماقك له مبرراته المفهومة,
أما ما هو ليس مفهوما حقا فهو ما يراودك من أمنيات مكتومة في أن يجيء ذات يوم ليطلب منك صفحك عنه.. وكذلك مناشدتك لي أن أذكره برب السماء الذي يمهل ولا يهمل ولا يبدل القول لديه, إذ ماذا يهمك من أمره وقد انطوت صفحته الكريهة من حياتك إلي غير رجعة؟ ولماذا تنشغلين بعقاب من السماء ومستقبل بناته والانشغال نوع من الاهتمام لا يستحقه.
إن من يستحق الانشغال به حقا هو هذا الشاب الأمين الذي قدر لك مصيرك.