سُنن القلوب ومسالك المصير

سُنن القلوب ومسالك المصير
بقلم.. محمد لطيفي Mohamed LETIFI
الخمس بالخمس: سُنن القلوب ومسالك المصير
تسير النفوس على سنن لا تتغيّر، وأسباب لا تخطئ، ونتائج لا تغيب. وما يفسد القلب فجأة إلا بما زرع فيه، وما يصلحه إلا بما اقترف من أسباب الخير، فكل بداية لها نهاية، وكل فعلٍ يحمل أثره.
أول الشرور إضاعة الأدب، فمن أضاع الأدب هان عليه العلم، ومن هان عليه العلم ضيّع العمل، ومن ضيّع العمل قسا قلبه، ومن قسا القلب قلّ حياؤه، ومن قلّ الحياء ضعف ورعه، ومن ضعف الورع مات قلبه. وموت القلب يورث طول الأمل، وطول الأمل يعلّق النفس بالدنيا، وحبّ الدنيا يورث نسيان الآخرة، ونسيان الآخرة خسران لا يدركه صاحبه إلا بعد فوات الأوان.
ومن دلائل هذا الانحدار انفلات اللسان؛ فالكلام إذا كثر كثر الزلل، وإذا كثر الزلل سقطت الهيبة، وإذا سقطت الهيبة استخفّ الناس، ومن استخفّ به الناس عاش ذليلًا وإن كثرت أملاكه. ومن أهان نفسه أهانَه الناس، ومن لم يحفظ سرّه خيّم عليه الندم، ومن كثرت خصومته قلّت حوله الرفقة، وإذا ذهب الحياء ذهبت الأمانة، وإذا ذهبت الأمانة كثرت الخيانة.
أما الصلاح فله أصول، لا تُدرك دفعة واحدة، بل تُبنى لبنة لبنة، وتسير خطواتً متتابعة. وأولها صدق اللسان، وصدق اللسان يورث طمأنينة القلب، وطمأنينة القلب صلاح العمل، وصلاح العمل رفعة المنزلة. وقلة الكلام سلامة، وحسن العمل كرامة، وترك الالتفات إلى الناس إخلاصًا لا يتبدّل.
وتأتي الثمار على سنّتها: فالصبر مفتاح الظفر، والقناعة باب الراحة، والتواضع طريق العزّة، والإحسان سبب المحبة، ورضا القليل غنى لا ينفد. وهكذا يتجلّى أن العزّ والذل، والغنى والفقر، والنجاة والهلاك، ليست أحوالًا متفرقة، بل نتائج أسباب متتابعة، من أمسك بأوائلها ملك أواخرها.
فمن جمع أسباب الصلاح اجتمعت له عواقبه، ومن فرّط ببدايات الفساد انساقت به نهاياته، وما بين البداية والمآل إلا خطواتٍ يخطوها العبد، وهو يظنها يسيرة، وهي عند الميزان عظيمة.




